في تحوّل لافت قد ينذر بجولة جديدة من المواجهات داخل العاصمة الليبية، وجه رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، رسالة شديدة اللهجة إلى الميليشيات المسلحة التي تفرض سيطرتها على مفاصل حيوية في طرابلس، معلناً التمسك بخطة بسط سلطة الدولة على كافة المؤسسات المدنية والعسكرية.
وقال الدبيبة في خطاب حازم، إن حكومته لن تسمح باستمرار ما وصفه بـ«العبث الأمني»، مطالباً بتسليم المطلوبين إلى النائب العام، وتطبيق سيطرة الدولة على المطارات والموانئ والسجون. وأضاف: «صبرُنا نفد، وآن الأوان لبسط سلطة الدولة بالقوة إذا لزم الأمر».
معركة السيادة أم بداية الفوضى؟.. ميليشيات العاصمة في مرمى الدولة
رغم إصرار الدبيبة على تنفيذ خطته دون «الحاجة إلى الدم»، فإن الواقع الأمني في طرابلس لا يزال شديد التعقيد، مع تشابك النفوذ بين عشرات الفصائل المسلحة، بعضها مدعوم من قوى خارجية أو من أطراف سياسية محلية.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن التهديدات الحكومية قد تعني مواجهة مرتقبة مع بعض التشكيلات القوية، خاصة تلك التي تُسيطر على مطار معيتيقة وسجون رئيسية ومقار حكومية.
وبحسب مراقبين، فإن نجاح الدبيبة في هذه المواجهة يتوقف على مدى دعم القوات النظامية له، ومدى استجابة الفصائل المسلحة لشروطه.
بنغازي تتجه إلى الانغلاق: تقييد تحركات المنظمات الدولية والسفارات
في تطور موازٍ، أعلنت حكومة أسامة حمّاد، المدعومة من البرلمان والمتمركزة في شرق البلاد، فرض قيود جديدة على تحركات البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية غير الحكومية، ووصفت القرار بأنه إجراء لحماية «السيادة الوطنية» وضمان أمن البلاد.
وبموجب التعليمات الجديدة، يتعين على أي جهة دولية أو دبلوماسية الحصول على إذن مسبق قبل القيام بأي زيارات أو لقاءات داخل ليبيا، بما في ذلك التنقل بين المدن، وهو ما أثار قلق عدد من العواصم الغربية والمنظمات الأممية.
وأكدت حكومة بنغازي أن هذه الخطوة لا تستهدف منع التعاون الدولي، بل تهدف إلى تنظيمه و«تحقيق التوازن بين الالتزامات الخارجية ومتطلبات الأمن الداخلي»
انقسام سياسي وأمني.. والسلطة في ليبيا بين شقين
يأتي هذا التصعيد الأمني في طرابلس وبنغازي على خلفية استمرار الانقسام السياسي الحاد بين الشرق والغرب، وغياب أي بوادر لاتفاق شامل لتوحيد مؤسسات الدولة، رغم جهود الأمم المتحدة ودول الجوار الليبي.
فبينما يحاول الدبيبة إظهار حكومته كصاحبة الشرعية التنفيذية المعترف بها دولياً، تسعى حكومة حمّاد إلى تكريس نفوذها في الشرق الليبي عبر فرض سياسات سيادية، وإعادة تنظيم العلاقة مع المجتمع الدولي وفقاً لمصالحها.
وتسود مخاوف في الشارع الليبي من أن تتسبب هذه الإجراءات المتبادلة في تعميق الانقسام أكثر، خصوصاً مع غياب خارطة طريق واضحة نحو الانتخابات أو المصالحة الوطنية.
حتى الآن، لم يصدر أي رد فعل رسمي من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على إجراءات حكومة بنغازي، لكن مصادر دبلوماسية أشارت إلى “قلق متزايد” بشأن إمكانية عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتعقيد مهام التفاوض بين الأطراف الليبية.
في المقابل، يرى مراقبون أن تهديدات الدبيبة باللجوء إلى القوة قد تُقابل بعنف مضاد من الفصائل المسلحة، مما يُدخل طرابلس في دوامة أمنية جديدة. وفي كل الأحوال، يبدو أن المواطن الليبي سيبقى في قلب أزمة لا يملك فيها قراراً، ولا يلوح في الأفق ما يضمن له الاستقرار.
بين تلويح الدبيبة بالحرب على الميليشيات في طرابلس، وتشديد بنغازي قبضة السيطرة على المنظمات الدولية، تعود ليبيا إلى واجهة المشهد الإقليمي كملف قابل للانفجار في أي لحظة. ووسط هذا التصعيد السياسي والأمني، تبقى الآمال في الاستقرار رهناً بقدرة المجتمع الدولي على الضغط لإعادة توحيد السلطة، وفتح الباب مجدداً أمام المسار الانتخابي الذي طال انتظاره.