تستعد مجموعات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني للشروع في عملية تسليم السلاح انطلاقًا من مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، ابتداءً من الجمعة المقبل، بحسب ما أفادت به تقارير إعلامية تركية، في خطوة وُصفت بأنها أولى المؤشرات العملية على بدء تنفيذ اتفاق سلام تاريخي مع أنقرة، بعد عقود من الصراع الدموي.
مبادرة نزع السلاح: بداية جديدة بعد أربعة عقود من الحرب
ووفقًا للتقارير التلفزيونية، التي لم تُكشف عن مصادرها، فإن مقاتلي الحزب سيبدأون تفكيك بنيتهم المسلحة تدريجيًا ضمن مجموعات، على أن يحتفظوا بمواقعهم داخل الأراضي العراقية، دون الانخراط في أي نشاط عسكري جديد.
وكان الحزب، الذي تعتبره أنقرة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، قد أعلن في مايو/أيار الماضي حلّ نفسه، استجابةً لنداء أطلقه زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان، في فبراير/شباط، بعد صراع مسلح مع الدولة التركية استمر لأكثر من 40 عامًا.
ومن المقرر، بحسب القنوات المحلية، أن يوجّه أوجلان رسالة مصورة من محبسه في جزيرة إيمرالي التركية إلى قيادة الحزب في منطقة قنديل الجبلية شمال العراق، يدعو فيها إلى “إنهاء العمل المسلح”، في ما سيكون أول ظهور مرئي له منذ توقيفه عام 1999.
فترة تنفيذ تدريجية واتصالات سياسية رفيعة المستوى
وأشارت التقارير إلى أن فترة تسليم السلاح قد تمتد من شهرين إلى خمسة أشهر، وسط إشراف تركي مباشر. وسيتمكن المقاتلون الذين يلقون سلاحهم من البقاء داخل العراق دون أن تُطلب إعادتهم إلى الأراضي التركية أو محاكمتهم.
في المقابل، تشهد أنقرة حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا لدعم العملية، حيث اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، مع وفد من “حزب المساواة والديمقراطية للشعوب” المؤيد للأكراد، وهو ثالث أكبر كتلة برلمانية في البلاد، ويلعب دورًا محوريًا في دعم خارطة طريق السلام.
وتزامنًا مع ذلك، يُتوقَّع أن يتوجه رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالين، اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة العراقية بغداد، لإجراء مشاورات مع مسؤولين أمنيين بشأن آلية تفكيك البنية المسلحة للحزب داخل الأراضي العراقية.
صراع كلف 40 ألف قتيل وحملات متواصلة رغم القرار
ورغم قرار الحزب بوقف العمل المسلح، أكدت مصادر رسمية تركية أن الاشتباكات لا تزال مستمرة بين قوات الجيش ومسلحين من “العمال الكردستاني” في بعض مناطق جنوب شرق تركيا وشمال العراق، مشيرة إلى استمرار العمليات العسكرية لتفكيك “مخازن السلاح والقواعد السرية”.
وأسفر النزاع المسلح منذ اندلاع التمرد عام 1984 عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، إلى جانب خسائر اقتصادية ضخمة واهتزازات اجتماعية متكررة، ما جعل إنهاء الصراع هدفًا ملحًّا للحكومات المتعاقبة.
فرصة تاريخية أم هدنة مؤقتة؟
ويعتبر مراقبون أن إعلان نزع السلاح قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولة التركية والمكوّن الكردي، خاصة إذا تزامن ذلك مع إصلاحات سياسية حقيقية تضمن حقوق المواطنين الأكراد.
لكنّ آخرين يحذرون من أن غياب ضمانات دولية واضحة، وعدم وجود خريطة طريق مفصلة ومُعلَنة، قد يجعل من هذه المبادرة مجرّد هدنة مؤقتة في نزاعٍ معقّد، تعرقل المصالح الإقليمية والدولية التوصل إلى حل دائم له.