شهدت تونس تطورًا قضائيًا لافتًا مع صدور أحكام بالسجن تتراوح بين 12 و35 عامًا بحق عدد من السياسيين والمسؤولين السابقين، من بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، وذلك في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التآمر 2″، المرتبطة بالإرهاب.
وقد أعلنت إذاعة “موزاييك إف إم” التونسية، أن المحكمة أصدرت هذه الأحكام في 8 يوليو/تموز 2025، بعد محاكمات شملت 21 متهمًا، من بينهم 12 فارين صدرت بحقهم مذكرات جلب دولية.
تضمنت الاتهامات الخطيرة الموجهة لهم تكوين وفاق إرهابي، والانضمام إلى تنظيمات إرهابية داخل تونس، واستخدام الأراضي التونسية لانتداب وتدريب أفراد على تنفيذ أعمال إرهابية وإفشاء معلومات أمنية والتآمر على أمن الدولة الداخلي.
من الغنوشي إلى عكاشة: أسماء ثقيلة في مرمى القضاء
راشد الغنوشي، الرئيس السابق للبرلمان وزعيم حركة النهضة الإسلامية، حُكم عليه بالسجن 14 عامًا في هذه القضية، رغم أنه يقضي أصلًا عقوبة سجن بلغت 27 عامًا في قضايا منفصلة منذ توقيفه في 2023.
أما نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد السابقة، والتي فرت من البلاد، فقد أُدينت غيابيًا بالسجن 35 عامًا، وهو الحكم الأثقل في هذه القضية.
وصدرت أيضًا أحكام مماثلة بحق كل من كمال القيزاني، رئيس جهاز المخابرات السابق (35 عامًا سجنًا)، ورفيق عبد السلام، وزير الخارجية السابق (35 عامًا سجنًا)، ومعاذ الغنوشي، نجل راشد الغنوشي (35 عامًا سجنًا)، أما يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الأسبق، فقد طعن في قرار إحالته إلى الدائرة الجنائية، لذا لم يُشمل بالحكم حتى الآن بانتظار نتيجة الطعن.
المعارضة تحت النار: القضاء في قلب الجدل السياسي
خطوة القضاء التونسي أثارت موجة من الانتقادات، خاصة من المعارضة التي ترى في هذه الأحكام وسيلة لإقصاء الخصوم السياسيين وإحكام السيطرة على الدولة.
الرئيس قيس سعيد، الذي حل البرلمان في 2021 وبدأ الحكم بالمراسيم، سبق أن أقال عشرات القضاة وحل المجلس الأعلى للقضاء، وهي قرارات وصفتها أطراف محلية ودولية بأنها تهدد المسار الديمقراطي في البلاد.
ورغم الاتهامات المتصاعدة، يصر سعيد على أن “لا أحد فوق القانون”، وأن ما يقوم به “خطوات قانونية ضرورية لتفكيك منظومة الفساد والفوضى”، نافيًا أن يكون في طريقه لبناء ديكتاتورية جديدة.
تونس: ساحة مفتوحة للصراع بين القانون والسياسة
تعيش تونس واحدة من أكثر مراحلها السياسية حساسية منذ الثورة في 2011، حيث تتصاعد المواجهة بين الرئيس قيس سعيد ومعارضيه، في ظل محاكمات متتالية تطال رموزًا بارزة في المشهد السياسي.
هذا العام وحده، صدرت أحكام بالسجن ضد معارضين، رجال أعمال، ومحامين بتهم التآمر، في قضايا تعتبرها المعارضة “ملفقة”، فيما ترى منظمات حقوقية أن تونس أصبحت “سجنًا مفتوحًا” وأن القضاء يُستخدم أداة لإسكات الصوت الآخر.
ومع استمرار التصعيد القضائي والسياسي، تبقى تونس أمام مفترق طرق حاسم بين تثبيت دولة القانون، أو الغرق في مزيد من الاستقطاب والانقسام.