بينما يتصاعد الدمار في قطاع غزة وتتشظى الحياة اليومية لملايين المدنيين تحت وطأة القصف الإسرائيلي والحصار المتواصل، تصرّ حركة حماس على التمسك بمواقف تفاوضية صارمة، تصفها بأنها دفاع عن الكرامة الوطنية والمقاومة، في مقابل تمسّك إسرائيلي بشروطه في الحرب، لكن النتيجة الحتمية لكل ذلك هي استمرار الكارثة الإنسانية دون أفق واضح للانفراج.
معادلة معقدة
تصريحات القيادي في الحركة عزت الرشق، التي وصف فيها مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها “أوهام”، وتأكيده أن الإفراج عن الأسرى لن يتم إلا بصفقة بشروط المقاومة، تضعنا أمام معادلة معقدة: من جهة، الاحتلال يمضي في استهداف كل ما هو مدني، غير آبه بالقانون الدولي أو الضغط الإنساني، ومن جهة أخرى، قيادة «حماس» تصر على عدم التراجع أو تقديم تنازلات، رغم حجم الكلفة البشرية التي باتت لا تُحتمل.
هذا العناد في التمسك بشروط تفاوضية، رغم تعمّق المأساة، يطرح تساؤلات جدّية حول أولويات الحركة في هذه المرحلة. فبينما يتمسك قادتها بالقول إن غزة لن تستسلم، وأن “المقاومة تفرض الشروط كما فرضت المعادلات”، يعاني الناس على الأرض من الجوع، والنزوح، وفقدان الأحبة، وانهيار المنظومة الصحية، في حين تتبخر فرص التوصل إلى اتفاق يُنهي هذا النزيف اليومي.
خطاب التحدي والمواجهة
الواقع أن جزءاً كبيراً من الفشل في التوصل إلى هدنة إنسانية أو صفقة تبادل، يكمن في التصلب الذي تُظهره حماس في المفاوضات غير المباشرة، الجارية بوساطة قطرية ودولية. فرفض الحركة لأي سيناريو لا يتضمن وقفاً كاملاً للحرب وانسحاب الاحتلال، دون أي مرونة، يجعلها في موقع من يدفع الثمن الأكبر: ليس من رصيدها السياسي فقط، بل من دماء المدنيين الذين باتوا عالقين بين نارين، الاحتلال من جهة، والتشدد الفصائلي من جهة أخرى.
وفي حين تتحدث حماس عن أنها تُفشل رهانات الاحتلال، تُظهر العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأرض أن الكلفة الفادحة تقع على الفلسطينيين، لا على قادة تل أبيب. فالمجازر تتواصل، كما في غارات خان يونس ومخيم الشاطئ، والانهيار المعيشي بلغ مستويات الكارثة، والمجتمع الدولي عاجز عن وقف الحرب، بينما يستمر خطاب التحدي والمواجهة، غير مبالٍ بما يجري في المخيمات والخيام والمستشفيات.
شروط تفاوضية صارمة
المسألة لا تتعلق بالتخلي عن المبادئ أو الاعتراف بشرعية الاحتلال، بل بمسؤولية قيادية تتطلب تغليب المصلحة الإنسانية الآنية على الشروط السياسية المؤجلة. فالإصرار على شروط تفاوضية صارمة في وقت المجازر والمجاعات يضعف موقف المقاومة أمام الرأي العام الدولي، ويجعلها شريكاً – ولو بالصمت – في إطالة أمد المعاناة.
وفي لحظة يقر فيها العدو بعجزه عن استعادة أسراه عبر القوة، كما قال الرشق، كان الأجدى توظيف هذا الاعتراف لانتزاع مكاسب إنسانية ملموسة، كوقف القتال، وفتح المعابر، وضمان تدفق المساعدات، وإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة. أما الرهان على فرض الشروط الكاملة بعد كل هذا النزيف، فهو لا يبدو واقعياً ولا إنسانياً، في ظل ميزان قوى مختل، ومجتمع دولي متواطئ أو صامت، وشعب يئن تحت الركام.