في تسجيل مصور نادر، ظهر زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان، المسجون منذ عام 1999، ليعلن بشكل صريح نهاية الكفاح المسلح للجماعة الكردية ضد الدولة التركية، داعيًا إلى الانتقال إلى العمل السياسي ضمن الأطر القانونية والديمقراطية.
جاء هذا الإعلان في فيديو نُشر الأربعاء عبر وكالة “فرات” المقربة من الحزب، حيث تحدث أوجلان عن مرحلة جديدة تنطلق مما وصفه بـ”الإيمان بسياسة المجتمع” و”رفض نهج السلاح”، مشيرًا إلى أن الخطوة المقبلة ستكون عملية نزع سلاح طوعي يتم تنظيمه وفق آلية قانونية بإشراف لجنة خاصة داخل البرلمان التركي.
خطاب نادر بعد عقود من المواجهة
قال أوجلان في المقطع الذي تم تسجيله بتاريخ 19 يونيو/حزيران، إن هذه الخطوة ليست تراجعًا بل “انتصار تاريخي”، مشددًا على أن “الهدف الأهم تحقق، وهو الاعتراف بوجودنا وهويتنا”. واعتبر أن “التمسك بالسلاح بعد هذه المرحلة سيكون مضيعة للجهد وعودة إلى طريق مسدود”.
الفيديو الذي لم تتجاوز مدته سبع دقائق، يُعد أول ظهور علني مصور للزعيم الكردي منذ اعتقاله قبل أكثر من عقدين، وقد بدا فيه مرتديًا قميصًا بيج اللون، جالسًا إلى طاولة يتوسطها كوب ماء، ويقرأ من بيان مكتوب، بينما يحيط به ستة من قيادات الحزب المعتقلين، في مشهد استثنائي يعكس طابع الرسالة المصيرية.
قرار تاريخي لحل الحزب
وكان حزب “العمال الكردستاني” قد أعلن في مايو/أيار الماضي قراره بحل نفسه، استجابة لدعوة سابقة من أوجلان أطلقها من محبسه في فبراير/شباط، وذلك بعد أكثر من أربعين عامًا من المواجهة مع أنقرة. وشهدت هذه الحقبة صراعًا دامويًا أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد التركي والنسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.
ويأتي إعلان أوجلان في وقت حساس، يُنظر فيه إلى التهدئة كفرصة سياسية نادرة قد تتيح للحكومة التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، إعادة فتح ملف التسوية مع الأكراد، إذا ما تم احتواء الخطوة ضمن توافق وطني أوسع.
رسائل سياسية ومرحلة ما بعد السلاح
في رسالته، شدد أوجلان على ضرورة العمل السياسي المشترك، داعيًا “حزب المساواة والديمقراطية للشعوب”، وهو ثالث أكبر الكتل البرلمانية وذو قاعدة كردية، إلى التعاون مع القوى السياسية التركية الأخرى لدفع مسار السلام إلى الأمام.
وفي ما يتعلق بمطلبه الشخصي بالحرية، قال: “لم أعتبر حريتي يومًا شأنًا فرديًا، إذ لا يمكن فصل حرية الفرد عن حرية المجتمع”. واعتبر أن صياغة مستقبل مختلف للأكراد يجب أن تقوم على مبدأ التلازم بين الحرية الفردية والجماعية.
تقاطعات إقليمية… ومراسم دون تغطية
رسالة أوجلان تزامنت مع زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين إلى بغداد وأربيل، حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين العراقيين بشأن أمن الحدود و”تحقيق منطقة خالية من الإرهاب”، في إشارة واضحة إلى رغبة أنقرة في طي صفحة النزاع مع “العمال الكردستاني” الذي كان يتمركز في جبال قنديل شمال العراق.
ومن المقرر أن تبدأ، يوم الجمعة، عملية تسليم السلاح بشكل طوعي من قبل مقاتلي الحزب في مدينة السليمانية، إلا أن مراسم تسليم السلاح لن تكون متاحة للإعلام، بعدما أعلن “مجلس المجتمعات الكردستانية” في بيان متأخر مساء الثلاثاء، إلغاء التغطية المباشرة للمراسم لأسباب أمنية.
وأشار البيان إلى أن حضور الصحفيين أُلغي بشكل مفاجئ، وأن البث المباشر أُلغي كذلك، بينما ستكون التغطية محصورة على الإعلام الرسمي في تركيا وبعض القنوات التابعة للحزب.
لحظة مفصلية
بالنسبة للمراقبين، فإن رسالة أوجلان – رغم الشكوك التي تحيط بنيّات الطرفين – تمثل تحولًا نوعيًا في مسار قضية أرهقت تركيا لعقود. وإذا ما تفاعلت أنقرة بإيجابية مع هذه المبادرة، فقد يكون ذلك بداية جديدة لعلاقة الدولة التركية مع مواطنيها الأكراد، بعيدًا عن منطق البنادق والجبال.
لكن ما زال الغموض يحيط بالكثير من التفاصيل، سواء فيما يتعلق بآلية تنفيذ نزع السلاح، أو مستقبل الحراك السياسي الكردي في تركيا، في ظل بيئة سياسية وأمنية لا تزال مشحونة بالتوترات والاصطفافات.