في الأسابيع الأخيرة، بدأت شوارع مدينة الخليل الفلسطينية تشهد مشاهد غير معتادة من التعزيزات العسكرية الإسرائيلية المكثفة، ما دفع السكان إلى طرح تساؤلات مريرة حول الأسباب الكامنة وراء هذا الانتشار غير المسبوق.
ويبدو أن الدوريات العسكرية لم تعد تمر مرورًا عابرًا كما كان الحال سابقًا، بل أصبحت تتحرك ببطء، تتوقف في أماكن معينة، وتقوم بإغلاق الشوارع بشكل مفاجئ ما يعطل حركة المارّة ويربك حياة السكان.
كما أن هناك نشاط استخباراتي إسرائيلي واسع النطاق في المدينة، يستهدف بالدرجة الأولى أفرادًا يُعتقد بانتمائهم لحركة حماس، وسط تكتم شديد من جانب الاحتلال حول طبيعة هذا التحرك وتوقيته وأهدافه المباشرة، وفي خضم هذه الحالة من التضييق، يشعر السكان بأنهم يعيشون تحت مراقبة دائمة، حيث تنتشر الكاميرات، وتزداد وتيرة الاستجوابات العشوائية ويُطلب من المارة أحيانًا فتح هواتفهم المحمولة للتفتيش.
ربما تحولت المدينة إلى سلسلة من العرقلة اليومية، بدءا من إغلاق الشوارع مرورا بالتفتيش اليومي حتى تأخير ساعات على الحواجز ليجعل الحياة قاسية وصعبة، لكن تأتي هذه التحركات في وقت تشهد في الضفة الغربية توترات أمنية متصاعدة، وسط أحاديث عن نية إسرائيل توسيع عملياتها ضد عناصر تصفهم بـ”الناشطين المسلحين”، خاصة في المدن التي تعتبرها “حاضنة” للفصائل.
وفي الخليل، يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها خطوة استباقية لكبح أي تحركات مستقبلية، لكنها في الواقع تعمّق عزلة السكان وتضعهم في حالة اشتباك نفسي دائم مع المجهول.
ما يثير قلق الأهالي أكثر هو الصمت الدولي تجاه هذه السياسات التي تعطل حياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، دون أن تُقابل بأي مساءلة حقيقية أو حتى اهتمام إعلامي واسع، وفيما تواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ عملياتها الأمنية المكثفة، تزداد وتيرة التوتر داخل المدينة، حيث يشعر الشباب على وجه الخصوص بأنهم تحت الاشتباه المستمر لمجرد كونهم من الخليل.
كما أن البيوت الفلسطينية التي لطالما قاومت الجدران والحواجز، باتت اليوم محاطة بعشرات النقاط العسكرية، الأمر الذي يطرح تساؤلًا حقيقيًا: هل تحوّلت المدينة العتيقة إلى ساحة تصفية استخباراتية مفتوحة؟
ربما تكون هذه الحملة الأمنية الواسعة مرتبطة بمحاولات إسرائيل لكسر أي بنية تنظيمية لحماس في الضفة الغربية، ضمن ما تسميه بـ”إستراتيجية الردع المبكر”، لكن هذا الردع، يتم على حساب حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التنقل وحق العيش بكرامة والتنفس دون خوف من تفتيش أو اعتقال.
وفي ظل هذا الواقع القاسي، يجد الفلسطينيون في الخليل أنفسهم بين مطرقة الاحتلال وسندان الغموض، وسط أسئلة تتكرر يوميًا: إلى متى سيستمر هذا التوتر؟ وهل المدينة مرشحة لموجة قمع أشد في الأسابيع المقبلة؟
ويبقى الأكيد أن الخليل، بجغرافيتها الخاصة وتركيبتها الاجتماعية، ستظل بؤرة مشتعلة ما لم يُكسر هذا النمط من الضغط الأمني الخانق، ويُفتح أفق لحل يضمن كرامة الناس بدلًا من ملاحقتهم.
وفي انتظار الإجابات، يعيش الأهالي يومهم كأنهم في حقل ألغام، لا يعلمون متى ينفجر الغضب الشعبي، أو متى ستنتهي “الحملة الأمنية” التي باتت تسرق من الخليل روحها.