وسط أجواء أمنية متوترة يعيشها الفلسطينيون في الضفة الغربية، خرجت غرفة تجارة وصناعة الخليل مؤخرًا لتحذر من أزمة تتفاقم بصمت، لكنها تنخر في جسد الاقتصاد الفلسطيني بشكل متسارع وهي أزمة الودائع النقدية.
ويبدو أن هناك قلق عميق من استمرار هذه الأزمة، التي لم تعد مجرد مسألة مالية بنكية، بل تحولت إلى خطر داهم يُهدد استقرار السوق، ويضعف قدرة المؤسسات الاقتصادية على الصمود أو حتى التخطيط للمستقبل، فما يجري في شمال الضفة من تصعيد أمني مستمر، يشكل عائقا حقيقيًا أمام أي تحركات مالية واقتصادية، خصوصًا في ما يتعلق بجمع الودائع أو تحريك رؤوس الأموال بشكل آمن.
ربما تتركز المخاوف حاليًا على انكماش السيولة في البنوك والمؤسسات المالية، وهو ما يُربك تعاملاتها اليومية، ويحد من قدرتها على تمويل مشاريع صغيرة أو تقديم تسهيلات ائتمانية ضرورية للتجار والقطاعات الإنتاجية.
في المقابل، تتزايد الضغوط على الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي كانت تعول على هذه التسهيلات البنكية لتجاوز التباطؤ الاقتصادي الناتج عن الظروف الأمنية والسياسية الراهنة.
في الحقيقة، إن ما يحدث ليس إلا نتيجة طبيعية لفقدان الثقة المتصاعد بين المودعين والمؤسسات المالية، حيث باتت الأموال تُسحب بوتيرة أكبر مما يتم إيداعه، خشية التصعيد أو الانهيار الاقتصادي، وكان من المهم إيجاد حلول سريعة توازن بين الاعتبارات الأمنية الضرورية وحاجة السوق إلى الاستقرار المالي، خاصة وأن التغافل عن هذا التحدي سيكون له ثمن باهظ في المستقبل القريب، لأن جميعنا يعرف أن الاقتصاد لا يعيش بمعزل عن الواقع الميداني، وأن استمرار التوتر الأمني دون رؤية اقتصادية مرافقة سيؤدي إلى مزيد من التآكل في البنية المالية للمجتمع الفلسطيني.
أما الشارع التجاري في الخليل، فلم يخفي قلقه من تباطؤ الحركة الشرائية، وسط حالة من الترقب يعيشها المواطنون الذين باتوا حذرين في الإنفاق، وأكثر ميلًا للاحتفاظ بما لديهم من سيولة “للضرورات القصوى فقط”، كما أن البنك المركزي الفلسطيني ومؤسسات الإقراض، مطالبة باتخاذ خطوات طارئة لدعم الثقة، سواء من خلال ضمانات مالية، أو إجراءات تسهيلية لوقف نزيف الودائع.
ومع ضعف الحماية التأمينية للوضع المالي وتزايد القيود الإسرائيلية على التحويلات والنشاط التجاري، يبدو أن القطاع المصرفي في الضفة يواجه أزمة مزدوجة وهي فقدان الثقة من الداخل، والخنق المالي من الخارج.
والخشية الكبرى هي أن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى نتائج اجتماعية تتجاوز الاقتصاد، من بطالة وفقر واحتقان شعبي قد يُغذي التوترات القائمة، ويخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها لاحقًا.
والمطلوب اليوم، هو تحرك جماعي من الجهات الرسمية والقطاع الخاص والداعمين الدوليين بهدف تثبيت الحد الأدنى من الاستقرار المالي الضروري لمنع الانهيار، فبينما تبقى الودائع في مهب الريح، يتساءل كثيرون: هل من خارطة طريق مالية تحمي ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني؟ أم أن الخليل وسائر مدن الضفة تسير نحو أزمة أعمق بصمت ثقيل؟.