في خطوة تعكس ازدواجية الموقف الإيراني بين الليونة والتصلّب، أبدى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي استعداد بلاده للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن البرنامج الصاروخي الإيراني غير قابل للنقاش، باعتباره «مرتكزاً للدفاع في وجه التهديدات المستمرة».
انفتاح حذر على التفاوض النووي
قال عراقجي، في تصريحات أدلى بها من جنيف، إن بلاده لا تمانع العودة إلى المفاوضات حول الملف النووي في إطار «اتفاق متوازن ومضمون ومتبادل».
وأوضح أن إيران تعتبر التخصيب «حقاً وحاجة»، ملمحاً إلى إمكانية التفاوض بشأن مستوى التخصيب ونطاقه ضمن شروط واضحة تحفظ مصالح إيران، دون التطرق إلى مسألة إعادة بناء الثقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو إعادة فتح منشآت للتفتيش الدولي.
تشبث بالبرنامج الصاروخي
رغم اللهجة الدبلوماسية بشأن النووي، بدا عراقجي أكثر حدة عندما سُئل عن صواريخ بلاده الباليستية، وقال بوضوح: «إيران لا تتوقع أن تتخلى عن قدراتها الدفاعية في سياق تتعرض فيه لتهديدات مستمرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة».
وأضاف أن هذه القدرات «ضرورية لحماية سيادة البلاد، خصوصاً في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، التي لا توفر لإيران أي ضمانات أمنية».
يأتي هذا الموقف في ظل تنامي القلق الغربي من توسع الترسانة الصاروخية الإيرانية ودورها في تأجيج النزاعات في المنطقة، من اليمن إلى سوريا ولبنان.
تحذير من تفعيل «السناب باك»
وفي لهجة حملت الكثير من التهديد، علّق عراقجي على التلويح الأوروبي بإمكانية اللجوء إلى آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، وهي الآلية المنصوص عليها في اتفاق 2015، بالقول: «إذا لجأ الأوروبيون إليها، فسيكون ذلك بمثابة إعلان هجوم عسكري، وستتعامل إيران معه على هذا الأساس».
وأشار إلى أن طهران لا تزال ملتزمة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما وصفه بـ«الابتزاز السياسي».
عودة للواجهة الدبلوماسية.. ولكن بشروط
المراقبون اعتبروا تصريحات عراقجي مؤشراً على نية طهران إعادة تموضعها في المشهد الدولي، خصوصاً بعد شهور من الجمود في المحادثات النووية وازدياد الضغوط الاقتصادية.
لكن اللهجة الحازمة بشأن البرنامج الصاروخي والتلويح بالتصعيد في حال تفعيل آلية «السناب باك» تشير إلى أن إيران تريد تفاوضاً بشروطها، دون تقديم تنازلات جوهرية في ملفات تراها «سيادية».
تصعيد أم تقارب؟
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تقود هذه التصريحات إلى اختراق حقيقي في الملف النووي، أم أنها مقدمة لتصعيد جديد؟ خصوصاً في ظل التوتر الإقليمي واشتداد المواجهة غير المباشرة بين طهران وتل أبيب، والتي لم تعد تقتصر على الخطاب السياسي، بل امتدت إلى ضربات نوعية وحروب بالوكالة.
المرحلة المقبلة ستحمل الإجابة، في ظل مراقبة غربية حذرة واستعداد إيراني للتفاوض، ولكن وفق شروط «المرونة المتشددة».