مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025، تتراجع وتيرة العمل التشريعي في مجلس النواب العراقي بشكل ملحوظ، وسط انشغال الكتل السياسية بالحملات المبكرة، وتنقلات داخلية بين القوائم والمرشحين، ما انعكس على جدول الجلسات وقوانين معلقة منذ سنوات.
برلمان بلا رأس.. وتعقيدات ما بعد الحلبوسي
إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي منتصف الدورة الحالية فتحت أبواب أزمة دستورية وسياسية داخل المجلس، خصوصاً مع تعثر انتخاب بديل حتى مرور أكثر من عام. ورغم عودة محمود المشهداني للمنصب، فإن الغياب الطويل للرئاسة أضعف هيكل المجلس وشلّ قراراته.
التحالف التاريخي بين القوى الشيعية والكردية، الذي شكّل ركيزة التوافقات السياسية منذ 2003، تفكك في هذه الدورة، لتفقد المؤسسة التشريعية إحدى أبرز أدواتها في تمرير القوانين الحساسة، وسط تهديدات كردية بالانسحاب من الانتخابات القادمة.
النصاب في “الكافتيريا”.. والقوانين في مهبّ الفراغ
في مشهد بات متكرراً، يحضر النواب إلى البرلمان… لكن ليس إلى القاعة، بل إلى كافتيريا المبنى، حيث يغيب النصاب عن الجلسات، ويُعطَّل التصويت حتى على قوانين غير جدلية، مثل قانون الصحة النفسية أو نقابة المبرمجين، في دلالة رمزية على انسداد سياسي وغياب المسؤولية.
ومن أبرز ما آثار جمود البرلمان العراقي، تعطيل حزمة قوانين اقتصادية واجتماعية تمسّ حياة المواطنين بشكل مباشر، مثل قانون الموازنة العامة التكميلية، والتعديلات الخاصة بصندوق الإعمار، والمخصصات المالية للمحافظات. ووفق اقتصاديين، فإن هذا التأخير يعمّق الأزمات في الخدمات والبنى التحتية، ويعيق تنفيذ المشاريع الحيوية، خصوصاً مع تذبذب أسعار النفط، واعتماد البلاد شبه الكامل على الإيرادات النفطية.
البرلمان في مواجهة الشارع الغاضب
وفي ظل انسداد العمل البرلماني وتنامي الإحباط الشعبي من أداء الكتل السياسية، يزداد الحديث عن عزوف شعبي محتمل عن المشاركة في الانتخابات المقبلة. وتشير استطلاعات محدودة نشرتها منظمات محلية إلى أن أكثر من 60% من الشباب العراقيين لا يثقون بمجلس النواب، ويعتبرونه “أداة للمحاصصة وليس للتشريع”، ما يهدد بانخفاض الإقبال الانتخابي وتعميق فجوة الثقة بين الشارع والطبقة السياسية.
حملات مبكرة.. واتهامات بالتوظيف السياسي للمؤسسات
تسارعت وتيرة الحملات الانتخابية غير الرسمية داخل الدوائر الحكومية، وسط اتهامات لعدد من النواب والوزراء باستغلال موارد الدولة في الترويج لأنفسهم أو لقوائمهم. كما ظهرت خلافات حادة داخل بعض الأحزاب بشأن ترشيحات الدوائر الفردية وتوزيع المقاعد، ما دفع بعض القيادات إلى الانشقاق، في مؤشر على هشاشة التحالفات الحالية واقترابها من الانهيار مع اقتراب موعد الاقتراع.
مراقبون: البرلمان يعكس أزمة النظام السياسي لا أفراده
يرى مراقبون أن تعثر البرلمان الحالي ليس استثناءً، بل هو انعكاس لأزمة أعمق في النظام السياسي العراقي القائم على المحاصصة الطائفية والحزبية، والذي بات عاجزاً عن إنتاج مؤسسات فاعلة ومستقرة. ويُرجّح أن تستمر هذه الحالة ما لم يحدث توافق وطني شامل لإعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية، وإقرار إصلاحات دستورية شاملة تشمل طريقة انتخاب البرلمان وتوزيع الصلاحيات بين السلطات.
هل يقود هذا الجمود التشريعي العراق نحو أزمة انتخابية جديدة؟
الأشهر القادمة ستكشف إن كانت الأحزاب ستضع مصالحها جانباً… أم أن البرلمان سيبقى رهينة الحملات والمناورات السياسية حتى الدقيقة الأخيرة.