أعلنت فرنسا وبريطانيا تنسيق ردعهما النووي ضمن إطار تعاون دفاعي متقدم، وُصف بأنه “تحالف ردعي جديد لحماية أوروبا”، في إشارة واضحة إلى ما تعتبره العاصمتان تحديات متزايدة على أبواب القارة، وعلى رأسها التهديد الروسي المتصاعد.
الإعلان جاء على هامش زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة المتحدة، حيث ظهر إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مؤتمر صحافي مشترك عبّر فيه الطرفان عن التزامهما بتطوير شراكة استراتيجية في المجال العسكري، تتجاوز التنسيق السياسي إلى تكامل صناعي وتسليحي عميق. وشدد ماكرون على أهمية “حيازة ردع موثوق به لحماية الاستقرار الأوروبي”، فيما أشار ستارمر إلى “نقلة نوعية في التعاون الدفاعي مع فرنسا من شأنها أن تعزز أمن الجميع في وجه تهديدات حقيقية”.
هذا التعاون غير المسبوق يأتي في سياق اتفاق أشمل يشمل التعاون في إنتاج وتطوير صواريخ كروز طويلة المدى، وعلى رأسها الصاروخ “ستورم شادو” المعروف في النسخة الفرنسية باسم SCALP-EG، وهو من أبرز الأسلحة التكتيكية في ترسانة البلدين. وقد صُمم لضرب أهداف استراتيجية داخل عمق العدو على مسافة تصل إلى 400 كيلومتر أو أكثر، ويتميّز بقدرته الشبحية العالية واعتماده على أنظمة توجيه متقدمة من بينها نظام GPS والتضاريس الأرضية، ما يجعله شبه غير قابل للاعتراض من قبل أنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
وتتمثل أبرز خصائص هذا الصاروخ في قدرته على إصابة أهداف دقيقة دون تدخل بشري بعد الإطلاق، بما في ذلك مراكز القيادة العسكرية، ومخازن الذخيرة، والموانئ، والمنشآت الحساسة في عمق أراضي الخصم. وتعمل لندن وباريس حاليًا على تطوير جيل جديد من هذه الصواريخ يدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوجيه الدقيق، على أن يحل لاحقًا محل النسخة الحالية في العمليات المستقبلية.
الخطوة الفرنسية البريطانية تندرج ضمن مقاربة أوروبية جديدة نحو الردع النووي، في ظل تصاعد الخطاب العدائي من جانب موسكو، والتحولات الجيوسياسية التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا. ويبدو أن العاصمتين الأوروبية والإنجليزية باتتا أكثر اقتناعًا بأن الحماية الأمريكية التقليدية عبر الناتو لم تعد كافية، وأنه لا بد من مظلة ردع أوروبية مستقلة لكنها منسقة، لا سيما بعد التوترات المتكررة داخل الحلف وعودة الولايات المتحدة إلى خطاب الحمائية والانكفاء.
الاتفاق الدفاعي بين فرنسا وبريطانيا لا يقتصر على الجانب النووي أو الصناعات العسكرية فحسب، بل يشمل ملفات حساسة أخرى من بينها الحد من الهجرة غير النظامية، وتعزيز الاستثمارات المشتركة في مشاريع الطاقة والتكنولوجيا العسكرية. وقال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي إن الزخم الجديد في العلاقة مع فرنسا “سيمنح القوات المسلحة في البلدين قدرة متزايدة على تطوير أنظمة تسليح مبتكرة وجاهزية قتالية أعلى”، لافتًا إلى أهمية بناء تحالفات ثنائية داخل إطار أوروبي منسجم.
بالنسبة لماكرون، فإن هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية أوسع لسياسة “الاستقلالية الاستراتيجية” التي يروّج لها منذ سنوات، بينما تعتبر لندن أن الشراكة الفرنسية تمثل ركيزة أساسية لسياساتها الأمنية في مرحلة ما بعد بريكست. وبين هذه الرؤية وتلك، يبدو أن باريس ولندن تسعيان إلى إعادة رسم خريطة الردع الأوروبي من بوابة التعاون النووي، وسط عالم مضطرب يزداد فيه الحديث عن احتمالات الصدام أكثر من التسويات.