إرسال سفن لكسر الحصار عن غزة، كما في حالة سفينة “حنظلة” التي تنطلق من ميناء كالابريا الإيطالي، يحمل دلالات سياسية وإنسانية عميقة تتجاوز حجم الإمدادات التي تحملها السفن ذاتها. هذه المبادرات، التي تقودها تحالفات دولية مناصرة للقضية الفلسطينية مثل “أسطول الحرية”، تعبّر عن محاولة متكررة لإعادة تسليط الضوء على الحصار المفروض على قطاع غزة، والذي أصبح جزءًا من الواقع اليومي المنسي أو المتجاهل دوليًا رغم تداعياته الكارثية.
رسالة رمزية
في السياق السياسي، تشكّل هذه السفن رسالة رمزية موجهة إلى المجتمع الدولي تفيد بأن الحصار على غزة لا يزال قائمًا ويشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. تحرك سفن من موانئ أوروبية وبحماية نشطاء دوليين يحمل طابعًا احتجاجيًا، يعكس عدم رضى شعبيًا وأمميًا عن الصمت الرسمي الذي يحيط بالمأساة في غزة. كما تضع هذه المبادرات الدول التي تدّعي التزامها بحقوق الإنسان في موقف محرج أمام شعوبها، خصوصًا عندما يُقابل نشاط سلمي إنساني بإجراءات عسكرية إسرائيلية، كما حدث في حادثة سفينة “مادلين”.
الدلالة الأخرى تكمن في أن استمرار هذه المبادرات رغم اعتراض إسرائيل واعتقال النشطاء – كما حصل في يونيو الماضي – يكشف عن إرادة سياسية مدنية لا تزال ترى في كسر الحصار معركة أخلاقية وإنسانية، وليست فقط معركة سياسية فلسطينية. اسم السفينة “حنظلة”، في حد ذاته، يحمل بعدًا رمزيًا قويًا مرتبطًا بالمقاومة الثقافية الفلسطينية، ويعيد للواجهة رمزية النضال الشعبي السلمي والتمسك بالهوية الفلسطينية رغم القمع والحصار.
تعبئة الرأي العام العالمي
أما على مستوى الجدوى الدولية، فإن هذه السفن لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للحصار من الناحية اللوجستية أو الميدانية، حيث غالبًا ما يتم اعتراضها في المياه الدولية أو قُبالة السواحل الإسرائيلية قبل وصولها إلى غزة. لكنها في المقابل تؤدي دورًا فاعلًا في إعادة تعبئة الرأي العام العالمي، وتسليط الضوء الإعلامي والسياسي على ما يُعتبر حصارًا جماعيًا مخالفًا للمواثيق الدولية. كما تخلق ضغطًا دبلوماسيًا غير مباشر على الدول الأوروبية التي تُحرج أحيانًا من تعامل إسرائيل العنيف مع رعاياها المشاركين في تلك القوافل.
ومع توثيق استيلاء إسرائيل على سفن في المياه الدولية، كما حدث في حادثة “مادلين”، فإن هذا يُحرّك مطالبات بفتح تحقيقات دولية حول قانونية هذه الإجراءات، ويوسع دائرة الحديث عن تجاوزات إسرائيل للسيادة البحرية الدولية، ما يجعل هذه السفن ورقة ضغط سياسية وقانونية، أكثر منها قناة إمداد ميدانية.
فضح ازدواجية المعايير
لا تكمن أهمية هذه السفن في ما تحمله، بل في ما تمثّله. فهي شكل من أشكال المقاومة المدنية العالمية، ومحاولة متكررة لتحدي الحصار وفضح ازدواجية المعايير الدولية. ورغم أن تأثيرها المباشر محدود من حيث إيصال المساعدات، إلا أنها تساهم بفاعلية في معركة الرواية والتضامن، وهي معركة لا تقل أهمية عن السلاح والدبلوماسية في سياق النضال الفلسطيني الأشمل.