في خطوة تعكس طموح الكويت لتوسيع آفاق شراكاتها الدولية وتعزيز حضورها الدبلوماسي في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، بدأ أمير دولة الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، زيارة رسمية إلى العاصمة الفرنسية باريس، هي الأولى له منذ اعتلائه سدة الحكم في ديسمبر (كانون الأول) 2024.
ورافقه وفد رفيع المستوى يضم عدداً من كبار المسؤولين، في مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع، في زيارة تُعد بمثابة دفعة قوية لعلاقات تاريخية تعود إلى أكثر من ستة عقود.
توقيت دقيق ورسائل سياسية
تأتي الزيارة وسط تصاعد التوترات الإقليمية بفعل استمرار الحرب في غزة، والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، إضافة إلى ما يشهده الخليج من تحولات أمنية ودبلوماسية متسارعة.
وترى مصادر دبلوماسية مطلعة أن زيارة أمير الكويت تحمل رسائل متعددة: أولها التأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه الكويت في أمن واستقرار المنطقة، وثانيها الرغبة في تنويع الشراكات الاستراتيجية، لا سيما مع القوى الأوروبية المؤثرة مثل فرنسا.
بيان الإليزيه: تعاون موسَّع في ظل رئاسة الكويت لمجلس التعاون
قالت الرئاسة الفرنسية في بيان رسمي إن زيارة الشيخ مشعل «تعكس رغبة مشتركة في توسيع نطاق التعاون الثنائي في مجالات حيوية تشمل الدفاع، والدبلوماسية، والاقتصاد»، مشيرة إلى أن الزيارة تأتي بينما تتولى الكويت رئاسة مجلس التعاون الخليجي لهذا العام، ما يمنحها دوراً محورياً في التنسيق الإقليمي.
ومن المقرر أن يلتقي الأمير مشعل الرئيس إيمانويل ماكرون على مأدبة غداء رسمية يوم الاثنين، بالتزامن مع مشاركته في العرض العسكري السنوي بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو.
ملفات مهمة على طاولة المحادثات: اتفاقيات مرتقبة
أوضح وزير الخارجية الكويتي عبد الله علي اليحيا أن زيارة الأمير تشكّل «محطة استراتيجية مهمة» في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، مشيراً إلى أن المباحثات مع الجانب الفرنسي ستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تشمل تطوير البنية التحتية، والتعاون في مجال التعليم والثقافة، ودعم القطاعات الدفاعية، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة، ويشارك في الوفد الرسمي أيضاً مدير هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وعدد من كبار المسؤولين الحكوميين.
تعود العلاقات بين الكويت وفرنسا إلى عام 1961 حين كانت باريس من أوائل العواصم التي اعترفت باستقلال الكويت. ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات تطوراً ملحوظاً شمل تبادل زيارات رفيعة المستوى، أبرزها زيارة الشيخ جابر الأحمد إلى باريس عام 1989، وزيارة الشيخ صباح الأحمد في 2006، وعلى المستوى الوزاري، تواصلت اللقاءات والتنسيق، لا سيما في ملفات الشرق الأوسط والطاقة والتعليم والثقافة.
شراكة اقتصادية واعدة: فرنسا بوابة أوروبية للاستثمار الكويتي
تحتل فرنسا مكانة مميزة بين الشركاء الاقتصاديين للكويت، إذ تستحوذ الشركات الفرنسية على نحو 50% من إجمالي الاستثمارات الأوروبية العاملة داخل الكويت، وتوفر آلاف فرص العمل في قطاعات الطاقة والنقل والرعاية الصحية والتجميل.
كما يسعى الجانبان إلى استكشاف آفاق جديدة للتعاون في مجالات الابتكار، والتحول الرقمي، والطاقة المتجددة.
تحالف دفاعي راسخ منذ التسعينات
في الجانب الدفاعي، ترتبط الكويت وفرنسا باتفاقية تعاون عسكري أُبرمت في أغسطس 1992، وجُددت في عام 2009، وتنص على تقديم الدعم الفرنسي في حال تعرض الكويت لأي اعتداء خارجي.
وقد عززت مشاركة فرنسا في قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991 هذه العلاقة، ورسّخت مكانتها حليفاً استراتيجياً لدولة الكويت في المجالين العسكري والأمني.
نحو شراكة متعددة الأبعاد: “رؤية الخليج 2025”
شهد شهر يونيو الماضي مشاركة فاعلة للكويت في مؤتمر «رؤية الخليج 2025» الذي عقد في باريس برعاية الرئيس ماكرون، وكان مخصصاً لتعزيز الشراكات الاقتصادية بين دول الخليج وفرنسا.
وتُعدُّ زيارة الأمير مشعل اليوم استكمالاً لهذا الزخم، وخطوة متقدمة في بناء شراكة أوسع لا تقتصر على المصالح الاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل قضايا الأمن الإقليمي، واستقرار الطاقة، والتعليم، والثقافة، والتكنولوجيا.
دبلوماسية حذرة في لحظة مفصلية
تحمل زيارة أمير الكويت إلى فرنسا في طياتها أكثر من بُعد؛ فهي رسالة دعم لشراكة تاريخية، ومؤشر على توجه كويتي لتعزيز الحضور الدبلوماسي في أوروبا، وتحرك استراتيجي في وقت تتداخل فيه الأزمات الأمنية مع التحولات الاقتصادية الكبرى.
وفيما تترقّب المنطقة مخرجات هذه الزيارة، تبدو الكويت مستعدة لتثبيت موقعها كوسيط موثوق، وشريك مستقر، في عالم يزداد تعقيداً.