تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، التي أدلى بها بشأن المدينة الإنسانية في رفح الفلسطينية، تكتسب دلالات هامة على المستويين السياسي والإعلامي في سياق الصراع المستمر في قطاع غزة. بن غفير، الذي يمثل الجناح المتشدد في الحكومة الإسرائيلية، أكد أن المدينة الإنسانية في رفح، التي كان يُروج لها كحل إنساني لمأساة السكان في قطاع غزة، لن تكون جزءًا من أي صفقة تبادل. وعند الإشارة إلى أن هذا الجدل المتعلق بالمدينة الإنسانية هو مجرد “دعاية إعلامية”، يثير ذلك العديد من التساؤلات حول نوايا الحكومة الإسرائيلية وتكتيكاتها في التعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة.
استراتيجية عسكرية شاملة
يتزامن تصريح بن غفير مع تصعيد كبير في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي بدأ منذ 7 أكتوبر 2023، مما أدى إلى سقوط أعداد ضخمة من الضحايا، خاصة بين الأطفال والنساء. تركزت العمليات العسكرية على توسيع نطاق الهجوم البري في مناطق متعددة، بما في ذلك مدينة رفح، إحدى النقاط الساخنة التي تأثرت بشدة من جراء الهجوم. وبالتالي، فإن تصريحات بن غفير حول “المدينة الإنسانية” تأتي في وقت حساس، حيث يبدو أن الحلول الإنسانية قد تراجعت أمام الأولويات العسكرية الإسرائيلية.
تصريحات بن غفير تبرز تباينًا بين الحكومة الإسرائيلية وحركات دولية تطالب بوقف القتال وإيجاد حلول إنسانية. عندما ينفي بن غفير وجود المدينة الإنسانية كجزء من أي صفقة تبادل، فإنه يعكس موقفًا من الحكومة الإسرائيلية الذي يرفض أي تنازلات أو تقديم حلول إنسانية قد تفضي إلى وقف العدوان أو تهدئة الأوضاع. هذا يوضح رغبة إسرائيل في الحفاظ على استراتيجية عسكرية شاملة، وهو ما يتناقض مع المبادرات الدولية الداعية لإيجاد حلول إنسانية دائمة.
تشويش صورة المبادرات الدولية
من ناحية أخرى، يُعتبر التأكيد على أن هذه القضية ليست سوى “دعاية إعلامية” محاولة لتشويش صورة المبادرات الدولية وتهدف إلى التقليل من أهمية الضغوط الخارجية التي تُمارس على إسرائيل، سواء من قبل الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان.
من الجلي أن بن غفير يحاول استغلال وسائل الإعلام كأداة لتوجيه الرسائل وتحقيق أهداف سياسية. في ظل الانقسام السياسي والإعلامي المستمر في إسرائيل، يبدو أن هذه التصريحات تعكس محاولة لخلق هوة بين ما يتم تداوله دوليًا وبين مواقف الحكومة الإسرائيلية. كما أن تأكيده على أن هذا الجدل ليس سوى دعاية إعلامية قد يكون محاولة لتشويه صورة القوى الفلسطينية أو حتى القوى الدولية التي تدعو إلى حلول إنسانية.
أيضًا، في ضوء تصريحات بن غفير، من المحتمل أن تكون هناك رسالة مُبطنة للمجتمع الإسرائيلي المحلي، مفادها أن حكومته لن تنصاع للضغوط الخارجية ولن تتخلى عن الأهداف العسكرية الاستراتيجية في غزة، حتى لو كانت تلك الأهداف تُحقق على حساب المدنيين الفلسطينيين.
الإطار الأوسع للعدوان الإسرائيلي
يُضاف إلى ذلك أن هذه التصريحات تأتي في وقت يُبدي فيه المجتمع الدولي قلقًا متزايدًا إزاء تصاعد العنف في غزة. فالصور القادمة من هناك، خاصة تلك التي تتعلق بالعدد الكبير من الضحايا المدنيين، قد تساهم في زيادة العزلة الدولية لإسرائيل. ومع ذلك، فإن تصريحات بن غفير تشير إلى أن إسرائيل ماضية في استراتيجيتها العسكرية دون اعتبار كبير للانتقادات الدولية أو الضغط الدبلوماسي.
من جانب آخر، يمكن اعتبار أن رفض فكرة المدينة الإنسانية في رفح يأتي في سياق الرد على محاولات تسوية مواقف مع حركات فلسطينية، وخاصة في إطار المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى أو وقف إطلاق النار. فإسرائيل قد ترفض هذه الفكرة لأنها قد تمثل تنازلًا كبيرًا في سياق التفاوض على هذه الملفات.
تبدو تصريحات بن غفير جزءًا من استراتيجية إسرائيلية شاملة ترفض تقديم حلول إنسانية في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي لإيجاد مخرج من الأزمة الإنسانية في غزة. في ظل هذا الوضع، تظل الشكوك قائمة حول الأهداف الحقيقية وراء التصعيد العسكري، والتي قد تكون مرتبطة بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي على حساب حقوق المدنيين الفلسطينيين.