تُشكّل الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل 15 فلسطينيًا فجر اليوم الإثنين، تصعيدًا خطيرًا في الحملة العسكرية التي تجاوزت شهرها العاشر، وسط مؤشرات واضحة على تآكل الخط الفاصل بين الاستهدافات العسكرية والسياسات الجماعية العقابية التي يدفع ثمنها المدنيون.
اتساع أدوات القتل والدمار
التقارير الواردة من وكالة «صفا» الفلسطينية تكشف عن توزيع مكثّف للضربات الجوية، حيث تركزت الهجمات في شمال وشرق مدينة غزة، وامتدت إلى خان يونس ورفح جنوبًا، ما يعكس استراتيجية ضغط شاملة على مختلف مناطق القطاع. هذه الاستراتيجية التي باتت تشمل قصفًا مباشرًا لأحياء سكنية، وعمليات تفجير تستهدف البنية التحتية والأفراد، تؤكد أن السلوك العسكري الإسرائيلي لم يعد يتوخى الحذر في التمييز بين الأهداف القتالية والسكان المدنيين.
ما يثير القلق في هذا السياق هو استخدام الجيش الإسرائيلي لأساليب غير تقليدية في العمليات الميدانية، مثل تفجير “روبوت مفخخ” في حي الشجاعية، وهي سابقة تعكس اتساع أدوات القتل والدمار، وتدل على أن العمليات العسكرية لم تعد محصورة في الإطار التقليدي، بل أصبحت تتضمن استخدام وسائل تكنولوجية قد تُستخدم في بيئات غير مدنية، لكنها تطبّق الآن في مناطق مكتظة بالسكان.
مهاجمة المدنيين أمام نقاط الإغاثة
الاستهداف الذي وقع قرب مركز المساعدات في منطقة الشاكوش شمال مدينة رفح يُسلط الضوء على نمط متكرر خلال الأشهر الماضية، وهو مهاجمة المدنيين في محيط نقاط توزيع الإغاثة. هذا النمط، إلى جانب وقوع قتلى ومصابين في تلك المناطق، يعكس إشكالية كبيرة تتعلق بحرمان السكان من أبسط حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك حق الحصول على الغذاء والرعاية.
توقّع تصاعد القصف في هذا التوقيت، وبالتحديد في مناطق مثل خان يونس ورفح، يمكن قراءته في ضوء تطورات سياسية وأمنية داخل إسرائيل، حيث تواجه الحكومة ضغوطًا متعددة على خلفية الجمود في ملف الأسرى، وتزايد الانتقادات الدولية بشأن استمرار العمليات في غزة. ومن ثم، فإن تكثيف العمليات العسكرية قد يكون محاولة لصنع “منجزات” ميدانية تغطي على الفشل السياسي.
سيناريو كارثي
لكن استمرار هذا النهج العسكري لا يُنتج سوى مزيد من الضحايا وتدهور الوضع الإنساني، كما يُهدد بانهيار ما تبقى من شبكات الرعاية الطبية والغذائية داخل القطاع، الذي بات أقرب ما يكون إلى كارثة إنسانية معلنة. كذلك، فإن تواتر الهجمات في مناطق متفرقة، واستهداف المدنيين قرب مراكز المساعدات، قد يضع إسرائيل تحت مزيد من التدقيق القانوني الدولي، وسط اتهامات متصاعدة بارتكاب جرائم حرب.
في المحصّلة، فإن مقتل 15 مدنيًا في غضون ساعات يُعدّ دليلًا إضافيًا على أن الوضع في غزة يتدهور نحو سيناريو كارثي يتجاوز العمليات العسكرية التقليدية، ويتطلب تدخلاً دوليًا عاجلاً ليس فقط لوقف إطلاق النار، بل لمساءلة الأطراف المسؤولة عن هذا الانهيار الإنساني المتسارع.