أعلنت وزارة الدفاع السورية، اليوم الإثنين، عن مقتل 18 جنديًا من الجيش السوري برصاص مجموعات مسلحة وصفتها بـ”الخارجة عن القانون”، في تصعيد دموي يشي بتغير في قواعد الاشتباك، وبإصرار الدولة على إنهاء حالة التسيّب التي طال أمدها في المحافظة ذات الغالبية الدرزية.
وقالت الوزارة في بيان رسمي، إنّها “عازمة على إنهاء الاشتباكات العبثية”، مؤكدة أنها ستقوم بملاحقة المتورطين و”بسط الأمن بكل الوسائل الممكنة”، بالتنسيق مع وجهاء المنطقة الذين يشكلون تاريخيًا صمام الأمان المجتمعي في السويداء.
الجيش في الميدان… ودعوة لحماية المواطنين
وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، أصدر تعليمات مباشرة لعناصر الجيش المنتشرين في محيط المحافظة، شدد فيها على أهمية “حماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة”، ودعا إلى “ضبط النفس مع الحزم في إعادة الاستقرار”. التصريح الرسمي جاء ليؤكد أن الجيش لن ينسحب هذه المرة من ساحة المواجهة، في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء ما بات يُعرف بـ”الفراغ الأمني المزمن” في السويداء.
اشتباكات دامية… خلفيات قبلية واحتقان قديم
التوترات بدأت قبل أيام، لكنها بلغت ذروتها يوم الأحد، حين اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وعشائر بدوية، إثر عمليات خطف متبادلة بين الطرفين، وهي ظاهرة متكررة في المحافظة منذ سنوات. المواجهات أسفرت عن مقتل نحو 30 شخصًا وإصابة ما لا يقل عن 100 آخرين، بينهم نساء وأطفال، في مشهد أعاد للأذهان مشاهد الاقتتال الأهلي في بداية الحرب السورية.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن الجيش السوري دفع بتعزيزات إلى مشارف المدينة، بينما نشرت قوات الأمن الداخلي وحدات للفصل بين الأطراف المتصارعة، لكن صباح الإثنين شهد تصعيدًا جديدًا، حيث تعرضت قوة تابعة للجيش لهجوم مباغت من إحدى المجموعات، أسفر عن مقتل 6 جنود وجرح آخرين، في حين فُقد الاتصال بعدد من العناصر الذين قيل إنهم أُسروا ونُقلوا إلى جهة مجهولة.
منطقة خارج السيطرة؟
السويداء، التي بقيت طوال سنوات الحرب بمنأى عن المواجهات الكبرى، تحولت في السنوات الأخيرة إلى مساحة رمادية خارجة عن سيطرة الدولة بشكل مباشر، تتداخل فيها النفوذ المحلي والقبلي، مع فصائل مسلحة بعضها كان محسوبًا على المعارضة، وآخرون يتبعون شبكات تهريب أو مجموعات ذات طابع مناطقي.
وتتهم دمشق جهات خارجية بمحاولة زرع الفوضى في المحافظة وإبقاء الوضع فيها هشًا بهدف الضغط على الدولة، خصوصًا أن السويداء ظلت على الهامش العسكري، لكنها لم تكن يومًا بمنأى عن الصراع السياسي والاجتماعي.
قرار بالحسم: نقطة تحوّل؟
في ضوء هذا التصعيد، أعلنت وزارة الداخلية السورية أنها اتخذت قرارًا بالحسم الأمني في السويداء، بعد سنوات من سياسة الاحتواء وضبط النفس. وأكدت أنها بصدد تنفيذ عمليات دقيقة لوقف الاشتباكات، وتحرير المخطوفين، و”إنهاء حالة التسيب” التي استفحل خطرها.
ويرى مراقبون أن توقيت القرار الأمني يحمل دلالات سياسية، خاصة مع ازدياد الضغوط الدولية على دمشق، ومحاولاتها استعادة هيبة الدولة في عموم الجغرافيا السورية، ضمن سياق إقليمي مضطرب تتجاذبه الأجندات الخارجية، ومحاولات إعادة التموضع داخليًا.
المحافظة أمام لحظة مفصلية
تبقى السويداء اليوم في مفترق طرق، بين العودة إلى حضن الدولة من خلال تسوية شاملة تُراعي الخصوصية المحلية وتحسم الفوضى المسلحة، وبين الانزلاق أكثر نحو صراع أهلي مزمن يعيد إنتاج نماذج الانهيار التي شهدتها محافظات سورية أخرى.
لكن المؤكد أن الدولة السورية، وعلى لسان مسؤوليها الأمنيين والعسكريين، لن تقف هذه المرة موقف المتفرج، وأن عملية “ضبط الجنوب” قد تكون قد بدأت فعلاً، ولو تدريجيًا، في ما يبدو أنه تمهيد لفرض الأمن بالقوة إذا لزم الأمر، بعد أن فشلت كل محاولات “التوافق الأهلي” في انتزاع السويداء من قبضة الفوضى المسلحة.