تشير المعلومات الأمنية المتداولة إلى أن جماعة ياسر أبو شباب لا تُعد مجرد مجموعة إجرامية عابرة، بل تمثل حلقة في مشروع إسرائيلي خفي يستهدف إعادة صياغة المشهد الأمني والسياسي في قطاع غزة عبر أدوات داخلية محلية، تكون ذات طابع انفلاتي وتستند إلى عناصر من أصحاب السوابق الجنائية والانهيارات القيمية، ما يجعلهم أدوات طيّعة في يد الاحتلال.
من هي عصابة ياسر أبو شباب؟
الملف الجنائي لقادة الجماعة، وعلى رأسهم ياسر أبو شباب ونائبه غسان الدهيني، يوضح أن هؤلاء الأفراد لا يحملون أي مشروع وطني أو سياسي، وإنما تم توظيفهم كأدوات تخريبية، جُهزوا في مناطق تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، بالقرب من معبر كرم أبو سالم، في منطقة حساسة تتحكم بخطوط إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. اختيار هذا الموقع ليس عبثياً، إذ يمنح هذه العصابة القدرة على التأثير في توزيع المساعدات، والتحكم بها، وتحويلها إلى وسيلة للاستقطاب والتجنيد، في ظل واقع إنساني بالغ القسوة والمعاناة.
بدايات العصابة تعود إلى ما بعد انهيار المنظومة الأمنية بفعل القصف الإسرائيلي، وهي لحظة استُغلت بذكاء من جهاز “الشاباك” الذي استثمر في شخصيات منهارة أخلاقياً ومسقطة اجتماعياً، لإضفاء طابع داخلي للفوضى التي يسعى الاحتلال لترسيخها. أبو شباب، المحكوم عليه بـ25 عاماً بتهم تتعلق بالمخدرات، والدهيني، المتورط سابقاً مع تنظيمات متشددة وله تاريخ من القضايا الأخلاقية، يعكسان طبيعة النواة التي اختيرت بعناية لتكون قابلة للتحكم والاختراق، وقابلة لتشويه صورة المجتمع المحلي المقاوم أمام الجمهور.
كسر السيطرة الأمنية والتنظيمية لحماس
من خلال استناده إلى أفراد من هذا النمط، يسعى الاحتلال إلى تنفيذ “اختبار ميداني” لحكم بديل، ولو مؤقت، في مساحة صغيرة كجنوب شرق رفح، لقياس جدوى إنتاج قيادة محلية تعمل بالوكالة عنه. هذه التجربة لا تراهن بالضرورة على نجاح دائم، لكنها تهدف إلى تحقيق عدة أهداف أمنية واستراتيجية في آن معاً:
كسر السيطرة الأمنية والتنظيمية لحماس في مناطق محددة، وخلق بؤر فوضى تسمح بإضعاف نفوذها، دون أن تكون إسرائيل مضطرة لدخول بري واسع أو تحمّل كلفة السيطرة المباشرة.
تشويه صورة المقاومة عبر ربط الفوضى بمناخ محلي، يدّعي أنه يمثل “القوات الشعبية”، بما يُظهر غزة كبيئة متمردة على القانون والنظام.
إعادة صياغة المشهد السياسي الداخلي، تمهيداً لخلق كيانات يمكن الدفع بها في مرحلة ما بعد الحرب، لإظهار أن البدائل المحلية لحماس قد ظهرت من الداخل، لا من الخارج.
تفكيك الجبهة الداخلية الغزية، عبر اللعب على وتر الحاجة والجوع، بتحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط وتجنيد، بما يُحدث شرخاً داخل المجتمع، ويغذي الصراع بين فصائل المقاومة والجماعات الانفلاتية.
تفكيك غزة
ويبدو أن الرهان الإسرائيلي لا يتوقف عند حدود السيطرة الميدانية، بل يمتد إلى السردية الإعلامية، إذ تُصوَّر هذه العصابة في الإعلام العبري كجماعة مسلحة “تحارب حماس” أو “تحاول فرض الأمن”، في قلب سردية تُحمّل حماس مسؤولية دمار غزة، وتبرر كل محاولات الاحتلال لخلق كيانات بديلة.
لكن تدخل الجيش الإسرائيلي المتكرر لحماية هذه العصابة من الاشتباك مع المقاومة أو الأمن المحلي، عبر الطائرات المسيّرة أو التغطية الجوية، يكشف حقيقة هذه العلاقة غير القابلة للنفي، ويعزز فرضية أن الاحتلال يبني جيشاً صغيراً داخل غزة يخدم أهدافه لا أكثر، وهو ما تؤكده سجلات الجرائم المتراكمة في ملفات عناصر العصابة، الذين لا يمتلكون أي رؤية سوى الولاء لمن يحفظ لهم سطوتهم المؤقتة ومصالحهم الضيقة.
جماعة أبو شباب، رغم تواضع حجمها العددي، تمثل ظاهرة ذات دلالة استراتيجية: الاحتلال بات يبحث عن تفكيك غزة من الداخل، وإعادة بنائها تحت يده، دون الحاجة إلى قوات نظامية أو احتلال مباشر، بل عبر وكلاء جدد مستعدين لأن يبيعوا كل شيء، مقابل حفنة سلاح وامتيازات وقتية في ظل الانهيار الإنساني الكبير.