تشهد الساحة السياسية في إسرائيل واحدة من أكثر اللحظات حرجًا منذ بداية الحرب على غزة، مع اقتراب ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الانهيار، في ظل خلافات داخلية عميقة تهدد بحل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة. جوهر هذه الأزمة يتمحور حول قضية تجنيد الحريديم (اليهود المتدينين)، التي لطالما كانت نقطة توتر بين المكونات العلمانية والدينية في الدولة العبرية، لكنها الآن تنفجر في توقيت حرج يتداخل فيه الأمن بالعقيدة، والسياسة بالبقاء.
أزمة تجنيد الحريديم
في العمق، تعكس أزمة تجنيد الحريديم صدامًا بنيويًا بين إسرائيل الحديثة كدولة ديمقراطية-عسكرية، وبين مكون ديني يعيش داخلها بعقيدة متجذرة ترفض المشاركة في الخدمة العسكرية. ورغم أن هذا التوتر ليس جديدًا، فإن اشتداد الحرب في غزة، وارتفاع الحاجة إلى تجنيد قوات إضافية، جعلا من إعفاء الحريديم مسألة وجودية داخل المؤسسة العسكرية.
في هذا السياق، تجد حكومة نتنياهو نفسها عالقة في معادلة مستحيلة: فهي تعتمد في بقائها السياسي على دعم الأحزاب الدينية المتشددة، التي تُصِرّ على تمرير قانون واضح يمنح الحريديم إعفاءً كاملاً من التجنيد. في المقابل، تواجه هذه المطالب معارضة شعبية وسياسية واسعة من أطراف علمانية وحتى داخل المؤسسة العسكرية التي ترى أن الحرب الحالية لا تبرر استمرار هذا التمييز.
فشل نتنياهو
الخطورة لا تتوقف عند حدود النقاش السياسي. فرفض الحريديم الانخراط في الجيش يُثير حالة احتقان اجتماعي داخل الشارع الإسرائيلي، حيث يشعر كثير من الشباب العلمانيين أن الخدمة العسكرية تحولت إلى عبء طبقي، في حين تُمنَح فئة دينية امتيازات على حساب الأغلبية.
فشل نتنياهو في التوصل إلى حل وسط، ومحاولة بعض قادة الأحزاب الحريدية قطع الاتصال به بالكامل، يكشفان عن تآكل سلطته حتى داخل حلفائه التقليديين. وما يزيد الطين بلّة هو سياق المحاكمة المتواصلة له بتهم فساد، والتي تسلبه الكثير من الشرعية السياسية وتضعف موقفه التفاوضي داخل الكنيست.
فراغ سياسي محتمَل
كل هذه العوامل تُقرب إسرائيل من مرحلة فراغ سياسي محتمَل، في وقت تخوض فيه حربًا مفتوحة على جبهات متعددة. حل الكنيست بات أقرب من أي وقت مضى، وقد تكون الانتخابات المبكرة بمثابة استفتاء شعبي على الأداء السياسي والعسكري لحكومة نتنياهو، وعلى شكل الدولة نفسها: هل هي دولة قومية علمانية بقيادة عسكرية، أم دولة دينية تفرض الشريعة داخل المؤسسات العامة؟
قضية تجنيد الحريديم ليست مجرد خلاف داخلي، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لهوية إسرائيل الاجتماعية والسياسية، في ظل انقسام أيديولوجي حاد. وإذا لم يُحل هذا الخلاف بطريقة ذكية وتوافقية، فستدفع إسرائيل الثمن، ليس فقط بانهيار الحكومة، بل أيضًا بمزيد من التوتر الداخلي الذي قد يهدد استقرارها على المدى الطويل.