توسيع إسرائيل لدائرة الحرب في أكثر من جبهة – من غزة إلى اليمن – يعكس تصعيدًا غير مسبوق في استراتيجيتها العسكرية والإقليمية، ويتضمن رهانات بالغة الخطورة على المستويين الأمني والسياسي. ففي الوقت الذي تواصل فيه تل أبيب حربها المكلفة والمدمرة في قطاع غزة، قررت أن تفتح جبهة جديدة في البحر الأحمر من خلال هجوم واسع على ميناء الحديدة اليمني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
هذا القرار لا يمكن عزله عن الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجه الحكومة الإسرائيلية، ولا عن السياق الجيوسياسي المتوتر في المنطقة، لكنه في ذات الوقت يطرح أسئلة جدية حول قدرة إسرائيل على تحمّل التبعات، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، لمثل هذا التوسع العسكري.
من غزة إلى الحُديدة: لماذا الآن؟
الهجوم الإسرائيلي على الحديدة جاء كردّ مباشر على استهداف جماعة الحوثي لمطار بن غوريون، وهو تطوّر نوعي في قدرة الحوثيين على تهديد العمق الإسرائيلي. ومع أن إسرائيل لطالما هددت بالرد على أي استهداف مباشر لأراضيها، فإن هذا الرد تحديدًا يحمل أبعادًا أوسع؛ فهو لا يقتصر على معاقبة الحوثيين، بل يُقرأ كرسالة ردع استراتيجية لإيران، ورسالة تنسيق عملياتي مع الولايات المتحدة التي كثّفت ضرباتها الجوية في اليمن بنفس التوقيت.
لكن المشكلة أن هذا التوسيع العسكري يحدث في ظل بيئة داخلية إسرائيلية هشة للغاية، حيث تسود أجواء من الغضب الشعبي والاحتقان السياسي بسبب حرب غزة المستمرة، وما تسببت به من مآزق إنسانية وسياسية، لا سيما استمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”، ما يُضعف من شرعية الحكومة ويضغط على تماسك الجبهة الداخلية.
التكلفة الاقتصادية
اقتصاديًا، تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا للحرب. منذ بداية العمليات في غزة، تعطّلت قطاعات كاملة من الاقتصاد، خصوصًا السياحة والتجارة والنقل. ومع دخول جماعة الحوثي على خط المواجهة، وتهديدها للملاحة في البحر الأحمر، فإن التكاليف تضاعفت، حيث تحوّلت السفن التجارية إلى طرق بديلة أكثر كلفة، مما أثر على واردات إسرائيل وصادراتها، وأدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار بعض السلع والخدمات.
الضربات على ميناء الحديدة قد تكون ذات طابع رمزي وعسكري، لكنها لا تضمن وقف هجمات الحوثيين على السفن، بل قد تستفزهم لتصعيد أكبر، مما يُدخل إسرائيل في استنزاف طويل الأمد، دون نتائج مضمونة. هذا الاستنزاف يفاقم الأزمة الاقتصادية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من تباطؤ النمو، وتراجع الاستثمارات، وتزايد عجز الموازنة بفعل الإنفاق العسكري.
غضب الرأي العام
على مستوى الرأي العام، تتزايد حدة الانتقادات الموجهة لحكومة نتنياهو. فالجمهور الإسرائيلي، الذي صبر لأشهر على العمليات في غزة أملاً في إعادة الرهائن وتحقيق نصر عسكري واضح، بدأ يفقد ثقته في أن الحكومة تملك خطة خروج أو رؤية سياسية لما بعد الحرب. التلويح باحتلال غزة بالكامل يُنظر إليه كمغامرة قد تزيد الأمور تعقيدًا، خاصة مع عدم وجود بديل مدني لحكم القطاع.
ومع إعلان الهجوم على الحديدة، قد يزداد هذا الغضب الداخلي، إذ يُنظر إلى فتح جبهة جديدة على أنه قرار غير مدروس، يسعى لتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج، ويخاطر بمزيد من التصعيد مع أطراف إقليمية مثل الحوثيين وإيران، وربما حتى حزب الله في الشمال.
رهان محفوف بالمخاطر
توسيع إسرائيل لدائرة الحرب يعكس استراتيجية “الهروب إلى الأمام”، لكنها استراتيجية خطرة. فهي لا تضمن تحقيق نتائج حاسمة على الأرض، وتزيد في المقابل من الأعباء الاقتصادية، والضغوط السياسية، والغضب الشعبي. في ظل هذا الواقع، تبدو الحكومة الإسرائيلية في سباق مع الزمن: بين محاولة تحقيق إنجاز عسكري ما قبل زيارة دونالد ترمب، وبين تفادي الانهيار الداخلي بسبب فقدان الثقة وتصاعد الغضب الشعبي.