في خطاب جديد حمل نبرة مزدوجة من التهدئة والتحذير، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده لا تزال تؤمن بالحلول السلمية، مؤكدًا أن “نافذة الدبلوماسية لا تزال مفتوحة”، لكن في الوقت ذاته لم يُغفل التأكيد على الجاهزية الكاملة للرد على أي تهديد بـ”حزم وألم”.
وأضاف بزشكيان، في منشور له عبر منصة “إكس”، أن إيران تسعى إلى “إعادة بناء الأمل والاستعداد للتعلم والتغيير”، داعيًا إلى قراءة الماضي بنظرة ناقدة، وشق طريق جديد قائم على “التوافق والتعاطف والعقلانية”.
ردع لا تهديد.. ومخاوف من تكرار السيناريو
وفي خلفية هذه التصريحات، لا تزال أصداء حرب الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل تلقي بظلالها على الموقف الإيراني.
وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، أكد بدوره أن بلاده لا تثق بوقف إطلاق النار الأخير مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن طهران وضعت “عدة سيناريوهات تحسبًا لأي مغامرة عسكرية جديدة”.
زاده أشار إلى أن إيران لا تسعى لتوسيع رقعة الحرب، لكنها “جاهزة تمامًا لرد حازم ومؤلم في حال التعرض لأي اعتداء”، بحسب ما نقلت عنه وكالة “فارس” الإيرانية.
فيلق القدس: الحرب كانت مناورة كبرى
في سياق موازٍ، اعتبر اللواء إيرج مسجدي، معاون الشؤون التنسيقية في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أن الحرب الأخيرة كانت أشبه بـ”مناورة دفاعية متقدمة”، سمحت لطهران باختبار قدراتها الجوية والصاروخية، ورفع كفاءة الجاهزية العسكرية في مختلف الجبهات.
وقال مسجدي إن إيران تواصل “إعادة البناء الاستراتيجي حتى في خضم الحرب”، مضيفًا أن الاشتباك مع إسرائيل كان بمثابة “تدريب حي” للتصعيد المستقبلي إن لزم الأمر.
تعود جذور التوتر إلى 13 يونيو 2025، حين شنت إسرائيل حملة قصف جوي استهدفت مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، واغتالت عددًا من القيادات العسكرية والعلماء النوويين.
وردّت إيران بهجوم صاروخي واسع النطاق على أهداف داخل إسرائيل، ما دفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر في الصراع.
وفي 22 يونيو، قصفت واشنطن منشآت نووية إيرانية بارزة، من بينها موقع “فوردو” و”نطنز”، ما دفع إيران للرد عبر ضربات استهدفت قواعد أميركية في قطر والعراق، دون أن تسفر عن خسائر بشرية.
وفي 24 يونيو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت، وهو ما أنهى جولة من أخطر المواجهات العسكرية بين طهران وتل أبيب منذ سنوات.
المفاوضات النووية.. المأزق مستمر
الحرب لم تُسدل الستار على الأزمة، بل تسببت في تجميد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، والتي كانت قد بدأت في أبريل الماضي أملاً في إعادة إحياء اتفاق 2015 ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
غير أن العقبة الكبرى ما زالت متمثلة في نسبة تخصيب اليورانيوم. فبينما ترى طهران أن من حقها تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، تعتبر إدارة ترامب هذا الرقم تجاوزًا للخطوط الحمراء، في ظل المخاوف من اقتراب إيران من العتبة النووية.
ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تقوم بالتخصيب بهذه النسبة، في حين أن الاتفاق النووي الأصلي وضع سقفًا للتخصيب عند 3.67%، ويُعتبر التخصيب بنسبة 90% هو الحد المطلوب لصناعة سلاح نووي.
بين نداءات العقل وطبول الحرب
رغم التصريحات التي حملت نغمة تصالحية من الرئيس الإيراني، فإن المشهد الإقليمي لا يزال ضبابيًا، خصوصًا في ظل تصاعد الشكوك حول جدية وقف إطلاق النار، واستمرار الاستعدادات العسكرية من جميع الأطراف.
تبقى إيران في وضع هش بين خيارين: التفاوض والتهدئة أم التصعيد والمواجهة، فيما يترقب العالم ما إذا كانت “نافذة الدبلوماسية” التي تحدث عنها بزشكيان ستُفتح بالفعل، أم تُغلق مجددًا تحت وطأة النيران.