أعلن الملياردير ورائد الأعمال الشهير إيلون ماسك عن تأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم «حزب أميركا». الإعلان الذي جاء تزامناً مع توقيع قانون الإنفاق الجديد، يسلّط الضوء على تصاعد التوترات بين ماسك والنخب السياسية في واشنطن، ويطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى المشروع في ظل نظام سياسي متجذر في الثنائية الحزبية.
مشروع سياسي أم رد فعل لحظي؟
التحرك الذي وصفه مراقبون بأنه قد يعيد تشكيل المشهد الحزبي في البلاد، جاء في أعقاب مصادقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على مشروع قانون الموازنة الفيدرالية، الذي وصفه بأنه «كبير وجميل». ماسك، الذي لم يُخفِ امتعاضه من القانون، رد على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) قائلاً: «إذا تم تمرير هذا الإنفاق الجنوني، فسوف أُطلق حزباً جديداً». وبالفعل، لم يمر وقت طويل حتى أعلن في 4 يوليو، يوم الاستقلال الأميركي، تأسيس الحزب، في ما اعتبره «لحظة مناسبة للتساؤل عما إذا كان الأميركيون يريدون فعلاً الاستقلال عن نظام الحزبين».
ويبدو أن دوافع ماسك تتعدى مجرد الاعتراض الظرفي على مشروع الموازنة، إذ عبّر بوضوح عن قناعته بأن النظام القائم بات يُدار من قبل كتلة سياسية موحدة، بغض النظر عن التسميات الحزبية، محذراً من مخاطر «الإنفاق غير المنضبط» والفساد الذي قد يفضي إلى «إفلاس البلاد». في المقابل، يرى منتقدو ماسك أن موقفه ليس إلا تعبيراً عن غضب بسبب بنود في القانون من شأنها تقليص الامتيازات الضريبية الممنوحة للسيارات الكهربائية، ما قد يعرّض شركته «تسلا» لخسائر بمليارات الدولارات.
الطريق الشائك لتأسيس حزب جديد
على الرغم من الحماسة التي رافقت إعلان ماسك، إلا أن إنشاء حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة ليس بالمهمة اليسيرة، خاصة في ظل نظام انتخابي ومؤسساتي صُمم لترسيخ الثنائية الحزبية. فبحسب تقرير لشبكة «سي بي إس نيوز»، فإن الإجراءات القانونية تختلف من ولاية لأخرى، وتستلزم في معظم الحالات جمع عدد كبير من التوقيعات الشعبية يتراوح بين 0.33 و2 في المائة من إجمالي سكان كل ولاية.
إضافة إلى ذلك، يُشترط تشكيل لجنة وطنية خاصة بالحزب، ووضع برنامج سياسي شامل، وتسجيل الحزب رسمياً لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية، فضلاً عن تقديم مرشحين رسميين على مستوى الولايات والمستوى الوطني، لضمان الاعتراف القانوني والقدرة على المنافسة الانتخابية. وكل ذلك يتطلب موارد مالية هائلة، وهو ما يملكه ماسك بالفعل بصفته الرجل الأغنى في العالم، لكن النجاح السياسي لا يُقاس فقط بالثروة.
هل يمتلك ماسك ما يكفي لتغيير قواعد اللعبة؟
من الناحية النظرية، قد يملك ماسك القدرة المالية والتنظيمية لإطلاق حزب جديد، لكن الواقع السياسي الأميركي يشي بصعوبات بنيوية. فحركات سياسية ثالثة ظهرت على مدار العقود الماضية، إلا أن أياً منها لم يتمكن من إزاحة هيمنة الحزبين التقليديين. وفي حين يرى البعض أن شعبية ماسك ونفوذه الرقمي قد يمنحانه زخماً غير مسبوق، يشكك آخرون في قدرته على بناء تحالفات سياسية فعالة خارج إطار وسائل التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت الإعلان يُقرأ من قبل بعض المحللين كنوع من الضغط على الحزب الجمهوري، وربما رسالة تحذير لمرشحيه مع اقتراب الانتخابات التشريعية، لا سيما أن ماسك كان من أبرز الداعمين لترمب في مراحل سابقة، قبل أن تتراجع العلاقة بينهما.
ما الذي يعنيه «حزب أميركا» للمستقبل السياسي للولايات المتحدة؟
إن تأسيس ماسك لحزب جديد يفتح الباب أمام نقاش معمّق حول أزمة التمثيل السياسي في أميركا، ويعكس استياء متنامياً لدى قطاعات من الناخبين من احتكار الجمهوريين والديمقراطيين للساحة السياسية. لكن نجاح الحزب الوليد في تجاوز الحواجز القانونية والتنظيمية، وجذب قاعدة انتخابية واسعة، يبقى رهناً بتطورات الأسابيع والأشهر المقبلة.
وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد استقطاباً غير مسبوق، وانقسامات حادة حول ملفات الاقتصاد، والسياسة الخارجية، وقضايا الهوية، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيتمكن إيلون ماسك من كسر احتكار الحزبين التاريخي، أم أن «حزب أميركا» سيُضاف إلى قائمة المشاريع الطموحة التي لم تبلغ غاياتها؟