الوضع في قطاع غزة يعكس واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية المعقدة والمأساوية في العصر الحديث، حيث يتجلى بشكل واضح أن استهداف المدنيين في أماكن النزوح والمستشفيات لم يعد يحدث بشكل عرضي أو نتيجة “أضرار جانبية”، بل بات سلوكاً متكرراً يعكس نمطاً منهجياً في التعامل مع البنية المدنية في سياق الصراع.
استهداف المدنيين في أماكن النزوح
خلال الساعات الأخيرة فقط، أظهرت التقارير الواردة من الإعلام الفلسطيني استهداف خيم تؤوي نازحين في مناطق مختلفة من خان يونس ورفح، وهو ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى بين المدنيين، أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن. اللافت أن هذه الهجمات لا تقع في مواقع عسكرية أو قريبة من نقاط اشتباك، بل في مناطق يُفترض أنها “آمنة نسبياً”، حيث فرت إليها العائلات بعد تهجيرها القسري من منازلها.
هذا النمط المتكرر من القصف يطرح تساؤلات حادة حول نية الاستهداف، إذ إن توجيه الضربات الجوية نحو مراكز توزيع المساعدات، أو مناطق اللجوء الإنساني مثل خيم النازحين، لا يمكن تفسيره في إطار الضرورات العسكرية، بل يبدو وكأنه يهدف إلى تعميق الكارثة الإنسانية، وكسر ما تبقى من روح صمود داخل المجتمع المدني الفلسطيني.
القانون الدولي الإنساني، وبشكل خاص اتفاقيات جنيف، تحظر استهداف المدنيين أو الأماكن التي يتجمعون فيها بعد نزوحهم، وتعتبر ذلك جريمة حرب. ومع ذلك، فإن تكرار هذه الحوادث، دون وجود محاسبة دولية حقيقية، يعزز ثقافة الإفلات من العقاب.
استهداف المستشفيات والمنشآت الطبية
المشهد لا يقتصر على النازحين، بل يتعداه ليطال المنظومة الصحية برمتها، التي باتت على حافة الانهيار التام. بحسب ما ورد من وزارة الصحة الفلسطينية، فإن مجمع ناصر الطبي، وهو آخر مستشفى عامل في محافظة خان يونس، مهدد بالخروج عن الخدمة بسبب التصعيد العسكري المباشر في محيطه.
الاستهداف المتكرر للمستشفيات – إما بالقصف المباشر أو بإغلاق الطرق المؤدية إليها – يُعد تصعيداً خطيراً يضرب صميم القانون الدولي الإنساني، الذي ينص على حماية المنشآت الطبية في كل الأحوال. ولكن في السياق الغزي، يبدو أن هذه القواعد لا تجد أي احترام، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية تتجاوز القدرة على المعالجة أو الاستجابة السريعة، خصوصاً مع النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية وغياب الممرات الآمنة.
سياسة ممنهجة لتدمير البنية التحتية الإنسانية
التهديد المباشر للمستشفيات لا يؤثر فقط على المرضى، بل يشل قدرة المجتمع بكامله على التكيف مع تداعيات الحرب، ويزيد من معدلات الوفيات غير الضرورية. إن تعمد تعطيل المستشفيات في وقت الطوارئ القصوى يُعد من أخطر أشكال الحرب النفسية والعملية ضد السكان المدنيين.
ما يحدث في غزة من استهداف للنازحين وللمستشفيات يتجاوز حدود الاشتباك العسكري التقليدي، ويعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية التحتية الإنسانية، وتجريد السكان من الحد الأدنى من مقومات البقاء. إن تكرار هذا النمط من القصف، في غياب موقف دولي صارم، ينذر بانزلاق خطير نحو مزيد من العنف غير المسبوق، ويفرض مسؤولية مضاعفة على المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المدنيين.