تشهد الساحة الليبية تصعيداً سياسياً جديداً ينذر بتداعيات خطيرة على استقرار البلاد، مع دعوة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى تسريع عملية اختيار رئيس جديد لحكومة الوحدة الوطنية، في ظل اتساع رقعة الرفض الشعبي لحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتصاعد التوترات العسكرية في العاصمة طرابلس.
عقيلة صالح يتقدّم بخطوة حاسمة لتجاوز “الفراغ السياسي”
في كلمة افتتاحية لجلسة مجلس النواب عقدت اليوم الاثنين، دعا عقيلة صالح أعضاء المجلس إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية والإسراع في تسمية رئيس حكومة جديد لـ”سدّ الفراغ في المنطقة الغربية” من البلاد، الذي أحدثته – حسب وصفه – حكومة منتهية الصلاحية وغير شرعية. وهاجم صالح حكومة الدبيبة بشدة، محملاً إياها مسؤولية الانفلات الأمني الأخير والضحايا المدنيين الذين سقطوا خلال الاشتباكات بين الميليشيات المتنازعة في طرابلس ومصراتة.
ويأتي هذا التحرك البرلماني في ظل تأكيد صالح أن حكومة الوحدة الوطنية كانت “وليدة صفقة مشبوهة” في ملتقى الحوار السياسي بجنيف، وأن مجلس النواب لم يعترف بشرعيتها منذ لحظة تشكيلها. واعتبر أن الوقت قد حان لإعادة إنتاج السلطة التنفيذية على أسس قانونية وسياسية متينة، بعيداً عن منطق التوافقات الفوقية التي عطلت المسار الانتقالي وأغرقت البلاد في فوضى المؤسسات.
مرحلة جديدة من التنافس على رئاسة الحكومة
ضمن هذا المسار، أعلن مجلس النواب أنه سيبدأ اعتباراً من يوم الثلاثاء دراسة ملفات 11 مرشحاً لرئاسة الحكومة، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة، بعد أن أحيلت الأسماء إلى النائب العام الصديق الصور لمراجعتها من الناحية القانونية. ومن المنتظر أن يُعلن عن اسم المرشح الفائز بالثقة يوم الخميس المقبل، مما يجعل هذا الأسبوع حاسماً في مسار الصراع على الشرعية.
الأسماء المطروحة تشمل شخصيات سياسية وإدارية من مشارب متعددة، من بينها سلامة الغويل، عبدالباسط امحمد، عثمان عبدالجليل، وفضيل الأمين، ما يعكس حجم التنافس والتنوع في الرؤى، لكن دون أن يُخفي المخاوف من انزلاق الأمور إلى مسارات جهوية أو تصفية حسابات شخصية، كما ألمح صالح نفسه في كلمته.
انهيار الثقة في حكومة الدبيبة
الضغط المتصاعد على حكومة عبد الحميد الدبيبة يأتي في سياق احتجاجات شعبية متكررة، وأزمات اقتصادية وأمنية متفاقمة، جعلت شريحة واسعة من الليبيين تعتبر أن هذه الحكومة لم تعد تمثل مصالح الشعب، بل تحولت إلى أداة للصراع بين الميليشيات ومركزاً لإعادة تدوير النخب التي ترفض مغادرة السلطة.
الدبيبة، الذي يرفض تسليم مهامه إلا لحكومة منتخبة من برلمان جديد، يتهم بدوره مجلسي النواب والدولة بالسعي إلى تمديد بقائهم في السلطة من خلال مسارات انتقالية متكررة. وهو موقف يعكس استمرار حالة الانسداد السياسي، ويُبقي البلاد في حالة من الترقب المشوب بالقلق، خصوصاً في ظل غياب أي توافق على خارطة طريق واضحة نحو الانتخابات.
هل تتجه ليبيا إلى تسوية أم إلى تصعيد جديد؟
السؤال المحوري اليوم لا يتعلق فقط بمن سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة، بل في ما إذا كان هذا المسار الجديد سيقود إلى تسوية سياسية فعلية تنهي الفوضى المستمرة منذ سنوات، أم أنه مجرد إعادة تدوير للأزمة في شكل جديد.
العامل الإقليمي والدولي سيكون حاسماً أيضاً، في ظل مراقبة الأطراف الخارجية لما يجري، بانتظار بلورة توافق ليبي داخلي يعيد للبلاد الحد الأدنى من الاستقرار المؤسساتي.
لكن إلى حين تحقق ذلك، تبقى ليبيا رهينة موازين قوى محلية هشة، وصراع شرعيات لم يحسم منذ سقوط النظام السابق. وتظل النتيجة واحدة: دولة تتآكل من الداخل، وشعب يُطالب بحقوقه في حياة آمنة، بعيدة عن سطوة الميليشيات وحسابات النخب.