أثار إعلان الحكومة الإثيوبية رسميًا عن الانتهاء من أعمال بناء سد النهضة، تفاعلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية، لا سيما في ظل تداعياته المحتملة على الأمن المائي لمصر والسودان. وبينما ترى أديس أبابا في هذا الإنجاز لحظة تاريخية لتعزيز التنمية، تتعامل القاهرة معه باعتباره تهديدًا وجوديًا قد يعمّق أزمة طال أمدها في حوض النيل.
في تقرير موسع، رصدت صحيفة غلوباس الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية والسياسية، ردود الفعل المتباينة على هذا التطور، مشيرة إلى أن مصر التي تعتمد بنسبة تفوق 90% على مياه نهر النيل، تنظر إلى السد باعتباره مصدر قلق استراتيجي عميق، نظراً لوقوعه على النيل الأزرق الذي يزود النهر الرئيسي بنحو 80% من مياهه.
القاهرة: لا شرعية دون اتفاق ملزم
جاء الرد المصري سريعًا على لسان وزير الموارد المائية والري، هاني سويلم، الذي أكد رفض بلاده المطلق للمضي في مشروع السد دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يضمن حقوق دولتي المصب. واعتبر سويلم أن التصرف الإثيوبي يشكّل انتهاكاً صارخاً للقواعد الدولية المتعلقة بإدارة الأنهار المشتركة.
في المقابل، حاول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تهدئة الأجواء، داعياً مسؤولين من مصر والسودان إلى المشاركة في مراسم افتتاح السد المقررة في سبتمبر المقبل. وخاطب البرلمان الإثيوبي قائلاً إن بلاده “لن تقبل بأي ضرر يلحق بجيرانها”، مشددًا على أن الأمن المائي لمصر والسودان هو من أمن إثيوبيا نفسها.
أبعاد استراتيجية وتحذيرات إسرائيلية
تقرير غلوباس نقل عن الخبير العسكري والاستراتيجي شموئيل ألماس أن المخاوف المصرية لا تقتصر على تراجع منسوب المياه، بل تشمل ما يحمله السد من دلالات رمزية وسياسية، بوصفه أضخم مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يمتد على مسافة 1.8 كيلومتر ويصل ارتفاعه إلى 145 متراً.
أما المتخصص في شؤون الشرق الأوسط مايكل باراك، فقد نبّه إلى إمكانية تحول الخلاف إلى صدام مباشر، رغم الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها القاهرة. واستشهد في ذلك بتصريحات الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، الذي اعتبر أن “الموت في حرب دفاعاً عن المياه، خير من الموت عطشًا”.
قيود اقتصادية وموازين متغيرة
ورغم ما يوصف بالتصعيد السياسي، يواجه صانع القرار المصري معضلة مزدوجة، بحسب التقرير: من جهة، يرى في السد تهديداً استراتيجياً خطيراً؛ ومن جهة أخرى، تقف الأزمة الاقتصادية المتفاقمة عائقاً أمام أي تحرك حاد. وتشير أرقام صندوق النقد الدولي إلى أن مصر باتت ثالث أكبر دولة مدينة للمؤسسة الدولية، بقروض تتجاوز 7.4 مليار دولار، وهو ما يضع ضغوطًا مضاعفة على خياراتها الدبلوماسية والعسكرية.
وفيما يعزز الموقف الإثيوبي تحالف متين مع بكين، تسلط الصحيفة الضوء على استثمارات صينية واسعة في البنية التحتية الإثيوبية، تشمل مجالات الاتصالات والدفاع الجوي، ما يجعل التفكير في أي تدخل عسكري محفوفًا بالمخاطر.
لحظة مفصلية في ملف النيل
يأتي الإعلان الإثيوبي بعد أكثر من عقد على بدء العمل في المشروع عام 2011، حيث باتت ستة من توربيناته الثلاثة عشر قيد التشغيل، في وقت تتطلع فيه أديس أبابا إلى الوصول إلى طاقته الكاملة خلال الأشهر المقبلة.
وبينما تترقب العواصم الإقليمية والدولية مسار التحركات الدبلوماسية المقبلة، تُجمع غالبية التحليلات على أن أزمة سد النهضة تجاوزت مرحلة التفاوض التقليدي، لتدخل حيزًا أكثر تعقيداً، قد يُفضي إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية وتشكيل مشهد جديد في شرق أفريقيا، حيث تتشابك اعتبارات السيادة المائية بالأمن القومي والرهانات الجيوسياسية.