الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل 51 فلسطينياً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، تمثل تصعيداً خطيراً في سياسة العقاب الجماعي التي تعتمدها إسرائيل ضد السكان المدنيين في القطاع المحاصر. ما جرى في جباليا ومحيطها، وكذلك في خانيونس، ليس حادثاً معزولاً، بل هو امتداد واضح لاستراتيجية متعمدة تهدف إلى إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
كسر الإرادة الجماعية
الاستهداف المباشر لمنازل سكنية وخيام للنازحين، بدون إنذار مسبق أو وجود أهداف عسكرية مؤكدة، يكشف عن نية مبيتة في توجيه الضربات ضد المدنيين العزل بهدف كسر الإرادة الجماعية وتدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني. ما نشهده اليوم هو استخدام مفرط وغير متناسب للقوة من قبل قوة احتلال، في ظل غياب أي رادع دولي حقيقي، ما يفتح الباب أمام استمرار الانتهاكات وتصاعد جرائم الحرب.
إسرائيل، من خلال هذا النوع من القصف، تسعى إلى تحقيق عدة أهداف متشابكة. على المدى القريب، تحاول ترهيب المدنيين ودفعهم للضغط على فصائل المقاومة، وإظهار أنها قادرة على ضرب “العمق المجتمعي” في غزة. وعلى المدى الاستراتيجي، فإنها تستهدف تقويض مقومات الحياة في القطاع، لدفعه إلى الانهيار الكامل، ما يخدم مشروع تهجير قسري غير معلن أو فرض وقائع جديدة على الأرض.
محكمة دولية فعالة
غياب المحاسبة الدولية والتراخي المتعمد من قبل القوى الكبرى يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر للاستمرار في سياساتها. فعدم وجود محكمة دولية فعالة تحاسب على هذه الجرائم، وازدواجية المعايير في التعامل مع الضحايا تبقي الفلسطينيين وحدهم في مواجهة آلة الحرب.
ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل هو فصل آخر في سلسلة طويلة من الإبادة المنظمة، التي تُنفذ تحت سمع وبصر العالم. هذه الجرائم لا يمكن فصلها عن سياق أوسع من الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، حيث يُعامل الفلسطيني وكأنه تهديد وجودي ينبغي استئصاله، وليس كإنسان له حق في الحياة والأمان والكرامة.
القانون الدولي الإنساني
الوضع المأساوي في غزة يُمثّل صورة دامية ومُتكرّرة لنهج عسكري إسرائيلي يتّسم بالعنف الممنهج ضد المدنيين، ويكشف عن غياب كامل لأي التزام بالقانون الدولي الإنساني. التقارير الأخيرة عن استهداف مخيم جباليا شمال غزة، والذي أودى بحياة 45 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، تُسلّط الضوء على أحد أكثر الفصول دموية في هذا الصراع. استهداف المنازل مباشرة، وتكرار تنفيذ “أحزمة نارية” في مناطق مأهولة، يشير إلى سياسة قائمة على العقاب الجماعي لا على ما يُسمّى بـ”الضربات الدقيقة”.
الصمت الدولي، بل وأحياناً الدعم الصريح لإسرائيل، يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل من العدالة مفهوماً بعيد المنال. لكن التاريخ علمنا أن صمود الشعوب لا يُقهر، وأن من يزرع الموت اليوم لن يحصد إلا الغضب واللعنة غداً.