تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس التي توعد فيها سكان طهران بـ”دفع الثمن قريباً” تمثل تصعيداً خطيراً في الخطاب السياسي والعسكري بين إسرائيل وإيران، وتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة واحتمالات توسع المواجهات العسكرية إلى نطاق أوسع قد يشمل المدنيين بشكل مباشر.
هذه التصريحات، التي أعقبت هجوماً صاروخياً إيرانياً على تل أبيب وحيفا أدى إلى مقتل خمسة أشخاص، جاءت في سياق رد عسكري إسرائيلي معلن ضد أهداف تابعة لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني في قلب العاصمة الإيرانية، وهو تطور غير مسبوق في طبيعة الاشتباك بين الطرفين.
حرب إبادة
التهديد المباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي للمدنيين في طهران، وليس فقط للمنشآت أو الأهداف العسكرية، يشكل خرقاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي ينصّ على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، وتحريم استهداف المدنيين أو تهديدهم بشكل مباشر، حتى في سياق الرد على اعتداءات مسلحة.
ويأتي ذلك في وقت تتعرض فيه إسرائيل لانتقادات دولية متزايدة بشأن ما تصفه منظمات حقوقية ومؤسسات أممية بأنه “حرب إبادة” تُشن على قطاع غزة، حيث تشير التقارير إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فضلاً عن الدمار الواسع في البنية التحتية للقطاع.
الاستخدام المفرط للقوة
في هذا السياق، فإن خطاب وزير الدفاع الإسرائيلي يعكس تحوّلاً خطيراً في سياسة الردع، يقوم على الرد بالمثل أو التصعيد المفتوح، حتى لو كان الثمن أرواح المدنيين. هذا النهج لا يعبّر فقط عن رغبة إسرائيل في ردع إيران ووكلائها الإقليميين، بل يكشف أيضاً عن أزمة في السياسة الإسرائيلية نفسها، حيث لم تعد تفرّق بين الرد العسكري المشروع وبين الاستخدام المفرط للقوة بشكل قد يقوّض ما تبقى من شرعية أخلاقية أو قانونية لأي عمليات دفاعية تدّعي القيام بها.
اللافت في الموقف الإسرائيلي هو التناقض الحاد بين ما تدعيه من حق في الدفاع عن النفس، وبين ممارساتها على الأرض، سواء في إيران أو في غزة. ففي الوقت الذي تطالب فيه بتضامن دولي إثر استهداف مدنها بصواريخ، لا تتورع عن شن عمليات قصف واسعة النطاق على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين في قطاع غزة، ما أسفر عن تدمير شامل للأحياء السكنية والمنشآت المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء. كل ذلك يحدث وسط حصار خانق يمنع دخول المساعدات الإنسانية، ما يضاعف من معاناة السكان ويفاقم الأزمة الإنسانية إلى مستويات كارثية.
تفجير الوضع الإقليمي
تصريحات كاتس قد تكون أيضاً محاولة لحرف الأنظار عن الانتقادات الدولية المتصاعدة ضد العمليات في غزة، من خلال تصعيد الجبهة مع إيران وتقديم الأخيرة كتهديد وجودي مباشر يتطلب “رداً استثنائياً”. لكن هذا المسعى ينطوي على مخاطر استراتيجية جمّة، من بينها فتح جبهة إقليمية شاملة قد تجرّ لبنان، وسوريا، وربما العراق واليمن إلى دائرة المواجهة، في ظل شبكة التحالفات المعقدة التي يديرها الحرس الثوري الإيراني في المنطقة.
إن تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي بضرب المدنيين في طهران ليس مجرد تصريح سياسي عابر، بل هو مؤشّر على منحدر خطير تسلكه إسرائيل في تعاملها مع خصومها، وهو منحدر قد يؤدي إلى تفجير الوضع الإقليمي برمته، ويدفع الشعوب، لا الأنظمة فقط، ثمن سياسات قائمة على منطق العقاب الجماعي لا الردع العسكري المشروع.