تكشف الاتصالات والمقابلات الدبلوماسية المكثفة التي أجرتها الحكومة الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي عن تصعيد واضح في جهودها السياسية والدبلوماسية لمحاصرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحقيق اختراق حقيقي على الساحة الدولية لصالح وقف الحرب، وإنهاء المجاعة، وتحريك ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
التحضير لعقد المؤتمر الدولي للسلام
على رأس هذه التحركات، برز نشاط رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد مصطفى، الذي أجرى اتصالات هاتفية منفصلة مع وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والنرويج وقبرص، وبحث معهم إمكانية تحريك موقف أوروبي أكثر تأثيرًا تجاه وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما تناولت هذه المشاورات خطوات التحضير لعقد المؤتمر الدولي للسلام، في وقت تسعى فيه القيادة الفلسطينية إلى فرض قضية الدولة على جدول الأعمال العالمي من جديد، في ظل انهيار كل المسارات السياسية السابقة.
ولم تقتصر التحركات على الاتصالات الثنائية، بل شملت دعوات مباشرة من رئيس الوزراء إلى دول العالم للاعتراف الفوري بدولة فلسطين، لا سيما في ظل الزخم المتنامي لهذا المطلب داخل القارة الأوروبية، كما في السويد والنرويج وإيرلندا، وللمطالبة بإطلاق نداء دولي فوري لوقف إطلاق النار، وهي خطوة تعكس رغبة فلسطينية في تحويل مسار الأحداث من واقع إنساني كارثي إلى معركة سياسية على الشرعية والحقوق.
موقف دولي شامل يضغط على إسرائيل
ترافق ذلك مع تحركات متزامنة لوزيرة الدولة لشؤون الخارجية، التي أجرت جولة في شمال أوروبا شملت فنلندا واستونيا، حاملة ملف الاعتراف بالدولة والضغط على إسرائيل لوقف المجازر والممارسات الهادفة لتفريغ غزة من سكانها. وقد هدفت اللقاءات إلى حشد دعم دبلوماسي متنوع للمؤتمر الدولي المزمع عقده في نيويورك، ومحاولة بناء تكتلات سياسية داعمة لحل الدولتين، بعد أن باتت الدعوات الفلسطينية تركز على ضرورة إنهاء الاحتلال وإطلاق مسار جاد لتجسيد السيادة الفلسطينية على الأرض.
ما يلفت في هذه التحركات هو توسّعها جغرافيًا ودبلوماسيًا، لتشمل أيضًا لقاءات مع رئيس وزراء لوكسمبورغ ووزير خارجية سويسرا، ما يشير إلى إدراك فلسطيني متزايد لأهمية توسيع رقعة الحلفاء خارج المواقف التقليدية. وبالتوازي، لم تُهمل الحكومة الفلسطينية التواصل مع الدول العربية والأمم المتحدة، في محاولة لتأمين موقف دولي شامل يضغط على إسرائيل لوقف الحرب ورفع الحصار عن غزة.
السلطة الفلسطينية تقاتل لردع الاحتلال
التحركات الدبلوماسية الفلسطينية تأتي في ظل اختناق إنساني حاد في القطاع، وتزايد حجم الضغوط الدولية على إسرائيل، وهو ما تحاول القيادة الفلسطينية استثماره لصالح تحقيق مكاسب سياسية تضمن بقاء القضية الفلسطينية حاضرة على طاولة الأمم، وكمحور رئيسي في معادلات الاستقرار في المنطقة.
تعكس هذه الجهود انتقال السلطة الفلسطينية من مرحلة رد الفعل إلى الفعل السياسي المكثف، باستخدام أدوات دبلوماسية موجهة ومحددة الأهداف، ما يشير إلى تطور واضح في طريقة إدارة المواجهة السياسية مع الاحتلال، في ظل واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ الصراع.