في خطوة استراتيجية تهدف إلى تنشيط قطاع السياحة الوافدة وتعزيز الاقتصاد المحلي الذي يواجه تحديات في الطلب الداخلي، أعلنت وزارة التجارة الصينية عن حزمة من الإجراءات والتسهيلات الجديدة للسياح الأجانب. وتشمل هذه الإجراءات توسيع نطاق استرداد الضرائب وتخفيض الحد الأدنى للإنفاق المطلوب، بالإضافة إلى سياسات التأشيرات المجانية التي أثبتت فعاليتها في جذب الزوار.
بالتعاون مع جهات حكومية أخرى، تعمل وزارة التجارة الصينية على تحسين سياسات استرداد الضرائب للسياح الأجانب. ويشمل ذلك توسيع قائمة المتاجر المؤهلة لاسترداد الضرائب لتشمل المناطق التجارية والمعالم السياحية والمطارات والفنادق. كما تم تخفيض الحد الأدنى للإنفاق المطلوب لاسترداد الضرائب من 500 يوان إلى 200 يوان (حوالي 27.45 دولار) للمسافر الأجنبي الواحد في المتجر نفسه وفي اليوم نفسه. وتهدف هذه الخطوة إلى تحفيز السياح على الإنفاق داخل البلاد وزيادة جاذبية السوق الصينية للزوار الدوليين.
التأشيرات المجانية محرك لتعافي السياحة الوافدة
تأتي هذه الإجراءات ضمن سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى جذب السياح الأجنبي بعد التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19. وقد شهدت الصين خلال عام 2024 زيادة ملحوظة في أعداد السياح الوافدين بفضل سياسات التأشيرات المجانية، حيث سجلت البلاد 26.94 مليون دخول للأجانب بإيرادات بلغت 94.2 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 95.5 في المئة في عدد الوافدين و77.8 في المئة في الإيرادات مقارنة بعام 2023. ورغم هذا الانتعاش القوي، لا تزال هذه الأرقام أقل من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2019. وقد لعبت سياسات التأشيرات المجانية دوراً حاسماً في هذا التعافي، حيث قامت الحكومة الصينية خلال العامين الماضيين بتخفيف قيود الدخول بشكل أحادي لـ38 دولة، كما وسعت سياسة الدخول المجاني عبر الترانزيت لـ54 دولة. وقد سجلت التأشيرات المجانية ارتفاعاً كبيراً في نهاية عام 2024 بعد تمديد السياسة إلى 18 دولة إضافية، معظمها أوروبية، في نوفمبر الماضي، حيث بلغت نسبة الدخول عبر التأشيرات المجانية 74.6 في المئة من إجمالي الوافدين، أي نحو 20.1 مليون زائر، بزيادة قدرها 112.3 في المئة عن عام 2023.
تسهيلات الدفع الرقمي لراحة الزوار
بالإضافة إلى السياسات الجمركية والتأشيرات، اتخذت الصين خطوات عملية لتحسين تجربة السائح الأجنبي داخل البلاد. وتشمل هذه الخطوات السماح بربط البطاقات المصرفية الأجنبية بتطبيقات الدفع الرقمي الرائجة مثل وي تشات وعلي باي، وهما أداتان ضروريتان في الصين لإجراء معظم المعاملات التجارية اليومية، بدءاً من شراء تذاكر القطارات وصولاً إلى دفع ثمن الوجبات. وتعد هذه التسهيلات جزءاً من خطة شاملة تهدف إلى تهيئة بيئة سفر أكثر ملاءمة للزوار الأجانب في الصين، على الرغم من استمرار بعض التحديات الهيكلية مثل محدودية عدد الرحلات الجوية الدولية مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
تشير المؤشرات الحالية إلى أن قطاع السياحة الوافدة في الصين سيواصل النمو في عام 2025. فقد شهدت البلاد بالفعل زيادة بنسبة 22.9 في المئة في عدد الزوار الأجانب خلال موسم عيد الربيع الأخير مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعزز التوقعات بتحقيق مزيد من الانتعاش في الأشهر المقبلة.
السياحة الداخلية تحقق أرقاماً قياسية
على الرغم من تباطؤ وتيرة الاستهلاك المحلي بشكل عام، حققت السياحة الداخلية في الصين أرقاماً قياسية في عام 2024، حيث بلغت إيراداتها 5.75 تريليون يوان (حوالي 790 مليار دولار)، بزيادة قدرها 17.1 في المئة عن عام 2023، متجاوزة مستويات عام 2019 بنسبة طفيفة بلغت 0.5 في المئة. وقد ازدهرت الوجهات السياحية المحلية بفضل الشعبية الكبيرة للمسلسلات التلفزيونية والأفلام الناجحة التي ألهمت العديد من السياح المحليين، خاصة إلى مناطق مثل شينجيانغ في الشمال الغربي، التي استقبلت عدداً قياسياً بلغ 302 مليون زائر خلال العام الماضي. في المقابل، كان التعافي في السياحة الخارجية أبطأ، حيث بلغ عدد الرحلات الخارجية للمواطنين الصينيين 145.89 مليون رحلة في عام 2024، وهو ما يعادل 86 في المئة من مستويات عام 2019، مع توقعات بعودة الأرقام إلى المستويات السابقة هذا العام.
التزام بتعزيز الإنفاق الوافد وتحقيق التوازن السياحي
تعكس هذه الإجراءات الشاملة، بدءاً من التسهيلات الضريبية وصولاً إلى الإصلاحات المتعلقة بالتأشيرات والدفع الرقمي، التزام الحكومة الصينية الراسخ بتعزيز الإنفاق الوافد وتحقيق توازن مستدام بين السياحة المحلية والدولية، وذلك بهدف دعم النمو الاقتصادي الوطني في مواجهة التحديات الراهنة.