القدس – في تصعيد جديد يعكس تغيرًا لافتًا في النبرة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين، عزمه تنفيذ “هجوم عسكري مكثف” ضد حركة حماس، مؤكدًا أن العملية المقبلة لن تكون عبارة عن غارات محدودة يعقبها انسحاب كما في السابق، بل تهدف إلى “هزيمة كاملة” للحركة.
وقال نتنياهو في مقطع مصوَّر نشره على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “سيتم نقل السكان حفاظًا على سلامتهم”، في إشارة إلى ترتيبات مسبقة لتفريغ مناطق واسعة داخل القطاع، ما يفتح الباب أمام تكهنات قوية حول نية إسرائيل فرض وقائع جديدة على الأرض.
ورغم أن هذا التصريح يأتي في إطار الخطاب الأمني الإسرائيلي التقليدي، إلا أن السياق الميداني والتسريبات الإعلامية الإسرائيلية توحي بأن الأمر يتجاوز مجرد حملة عسكرية ضد حماس. مصادر أمنية إسرائيلية كانت قد تحدثت في الأسابيع الأخيرة عن “ضرورة تغيير المعادلة مع غزة جذريًا”، وهو ما يُفهم على أنه تلميح نحو خيار الاحتلال الكامل للقطاع وتحويله إلى منطقة أمنية مغلقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة.
أبعاد استراتيجية تتجاوز “الحرب على حماس”
الخطاب الرسمي الإسرائيلي لا يقتصر هذه المرة على تبرير العمليات العسكرية بحجة “مكافحة الإرهاب”، بل بات يشمل نبرة سيادية واضحة، في ظل حديث متزايد في الأوساط السياسية الإسرائيلية عن إعادة توطين المستوطنين في مناطق قريبة من حدود غزة، بل وربما على أطراف القطاع نفسها. فقد نقلت وسائل إعلام عبرية عن جهات داخل الحكومة الإسرائيلية أنها بدأت بالفعل بدراسة ملفات “تعويضات” للمستوطنين الذين تم إجلاؤهم سابقًا من “غوش قطيف” عام 2005، تمهيدًا لما وصفته بـ”عودة مرتقبة”.
ومن شأن أي تحرك إسرائيلي بهذا الاتجاه أن يؤدي إلى تغيير جذري في البنية الديموغرافية والسياسية للمنطقة الحدودية بين غزة وإسرائيل، خاصة إذا ما ارتبط بمنح تراخيص بناء في الأراضي المتاخمة لما يُعرف بـ”غلاف غزة”، وهي أراضٍ كانت جزءًا من القطاع قبل فك الارتباط في 2005.
تداعيات على العلاقة مع مصر ومعاهدة السلام
لكن أخطر ما في التصعيد الإسرائيلي المحتمل لا يكمن فقط في أبعاده الفلسطينية، بل في ارتداداته الإقليمية، خصوصًا على العلاقات مع مصر، الضامنة لاتفاق السلام الموقع عام 1979. إذ تعتبر القاهرة أن أي تغيير جيوسياسي في غزة، أو إعادة ترسيم لحدود القطاع بطريقة تعزل الفلسطينيين في مناطق محددة أو تدفعهم إلى الهجرة القسرية نحو سيناء، يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
وقد حذّرت مصادر دبلوماسية مصرية في وقت سابق من “التلاعب بالتوازنات الحدودية القائمة”، مؤكدة أن استمرار إسرائيل في الضغط العسكري والسياسي داخل القطاع، دون أفق سياسي واضح أو تنسيق إقليمي، قد يفضي إلى “انفجار” في العلاقة الثنائية، ويفتح باب مراجعة الاتفاقيات الأمنية القائمة.
رفض فلسطيني قاطع ومخاوف من سيناريو التهجير
من جهتها، اعتبرت حركة حماس تصريحات نتنياهو “ابتزازًا سياسيًا مفضوحًا”، مؤكدة أن “الشعب الفلسطيني لن يسمح بتمرير مخططات التهجير أو الاحتلال الجديد”. وعبّرت الحركة عن مخاوفها من أن تكون العملية المرتقبة “غطاءً لهندسة ديموغرافية هدفها فصل غزة عن الضفة الغربية، وتصفية المشروع الوطني الفلسطيني”.
وفي ظل غياب موقف دولي رادع، تبدو السيناريوهات المفتوحة على قطاع غزة مقلقة، خاصة إذا تزامنت مع دعم سياسي أمريكي ضمني، وغياب توافق عربي قادر على وضع حد للتوغل الإسرائيلي، الذي يتجه أكثر فأكثر نحو فرض واقع ميداني جديد، لا يعترف بالخط الأخضر، ولا بالقرارات الدولية السابقة بشأن غزة.