اندلعت مواجهات ضارية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بعدما شنت قوات الدعم السريع هجوماً واسعاً على مواقع الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح.
جاء الهجوم بعد أقل من 24 ساعة على دعوة أممية لهدنة إنسانية مؤقتة، ما جعل من هذا التصعيد العسكري مؤشراً خطيراً على تعقّد المشهد الميداني ورفض بعض الأطراف الانصياع للضغوط الدولية.
وبحسب مصادر عسكرية، فقد بدأت المعركة بقصف مدفعي عنيف استهدف المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، أعقبه هجوم بري بالدبابات والطائرات المسيّرة، إلا أن الجيش السوداني نجح في صدّ الهجوم، مدمراً عدداً من الآليات وغنم أسلحة وذخائر، وانتهت المواجهات بـ”فرار مرتبك” لقوات الدعم السريع من المحاور المستهدفة.
خسائر فادحة وذعر في الأحياء السكنية
شهود عيان أكدوا أن القصف العشوائي طال أحياء مكتظة بالسكان، مثل حي أبو شوك ومخيم النازحين، ما أدى إلى موجة من الذعر في صفوف المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية. وسُمع دوي الانفجارات لساعات طويلة، فيما حلقت طائرات الاستطلاع دون توقف.
الجيش السوداني قال إنه كبّد المهاجمين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بينما أظهرت صور نُشرت على صفحات الفيسبوك لمقاتلين تابعين للفرقة السادسة مشاه وهم يحتفلون بما وصفوه بـ”نصر جديد في معركة مصيرية”.
كارثة إنسانية تلوح في الأفق
في الوقت الذي يحتدم فيه القتال، تعيش مدينة الفاشر وضعاً إنسانياً متدهوراً. فقد تراجعت إمدادات الغذاء والماء والدواء إلى مستويات حرجة، وأصبح الوصول إلى الضحايا شبه مستحيل نتيجة استمرار القصف وانعدام ممرات إنسانية آمنة.
وقال الناشط الإغاثي محمد آدم إن “الوضع كارثي بكل المقاييس”، مشيراً إلى أن قذائف سقطت على مخيم أبو شوك للنازحين ومناطق مأهولة أخرى، مما أسفر عن قتلى وجرحى لم يتمكن أحد من إسعافهم.
دفاع مشترك وتمسك بالبقاء
العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، أكد أن قواته تقاتل إلى جانب الجيش، وأوضح أن الهجوم استهدف اختراق دفاعات المدينة من الجهة الشرقية، لكن الوحدات المدفعية والاستطلاع كانت بالمرصاد، قائلاً: “لن نسمح بسقوط الفاشر”.
وأضاف مصطفى أن ردة الفعل السريعة من القوات المشتركة أربكت حسابات الدعم السريع، مؤكداً أن الخسائر التي تكبدها المهاجمون “كبيرة وغير مسبوقة في هذه المحاور”.
المبادرة الأممية.. صدى بلا استجابة
جاء هذا التصعيد بعد مكالمة تلقاها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا خلالها إلى هدنة مؤقتة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. ورحب البرهان بالمبادرة وأبدى التزامه بتشكيل حكومة مدنية من المستقلين، إلا أن قوات الدعم السريع سرعان ما أعلنت رفضها التام لها، معتبرة إياها “غطاءً لإمداد الجيش المحاصر”.
المستشار الباشا طبيق قال علناً إن الحديث عن هدنة إنسانية “مجرد خدعة عسكرية”، مؤكداً أن قواته “لن تتوقف عن القتال حتى تحقيق أهدافها على الأرض”.
قراءة في أسباب التصعيد ورفض التهدئة
يرى محللون أن رفض قوات الدعم السريع لمبادرة غوتيريش يعكس توجهاً استراتيجياً يرفض أي تهدئة قد تتيح للجيش إعادة تنظيم صفوفه. ويقول عبد الناصر سلم حامد، مدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في مركز فوكس السويدي، إن “الدعم السريع ينظر إلى الهدنة كتهديد مباشر لخططه الهجومية، ولذلك يتعامل مع الدعوات الدولية باعتبارها أدوات للمراوغة لا أكثر”.
ويضيف حامد: “رفض الهدنة يعكس سياسة الحصار الشامل كوسيلة للضغط، حيث تستخدم معاناة المدنيين كورقة تفاوض وليس كأولوية إنسانية”.
مستقبل غامض وسط نيران الحر
في ظل هذا التصعيد، تبدو آفاق التهدئة قاتمة، خاصة مع تدهور الأوضاع داخل المدينة وغياب أي مؤشرات على توقف قريب للقتال. سكان الفاشر المحاصرون يدفعون الثمن الأكبر، وسط صمت دولي متردد وفشل واضح في فرض ممرات آمنة أو هدنة إنسانية فعالة.
مع استمرار هذه المعارك، يظل السؤال الأهم: هل تنجح الضغوط الدولية في فرض هدنة حقيقية لحماية المدنيين، أم أن الفاشر ستبقى رهينة لتوازنات السلاح والحصار؟