في أزقة مخيم الفوّار، لم يعد الليل يختلف كثيرًا عن النهار، فالخوف مقيم على مدار الساعة، والقلق لا يترك قلبًا دون أن يستوطنه. هناك، يعيش رائد أبو زهرة، شاب في الثلاثينات من عمره، لكنه يبدو أكبر بعشر سنوات من شدة التوتر. يقول: “صرنا ننام ونستيقظ على صوت الجنود وهم يقتحمون البيوت. أمي ما عادت تعرف طعم النوم، كل ما تسمع أي صوت برّا البيت، تصير ترتجف وتبكي وهي ماسكة القرآن.”
كابوس المستوطنين
في إحدى الليالي، اقتحم الجنود بيت رائد للمرة الرابعة خلال أسبوعين. “دخلوا فجأة من الباب الخلفي، كانوا ملثمين ومدججين بالسلاح. أختي الصغيرة صارت تصرخ، وأنا رافع إيدي فوق راسي بدون أي حركة. كانوا يدوسوا على أغراضنا، قلبوا الغرف، كسروا التلفزيون، وهددوني بالاعتقال بتهمة ‘إخفاء مطلوبين’، وأنا كل اللي كنت عامله إني راجع من شغلي قبل ساعة!”
من بلدة بيتا جنوب نابلس، تحكي نهى خريوش، أم لأربعة أطفال، عن كابوس المستوطنين الذي لا ينتهي. “أبسط مشوار صار مغامرة، نمشي على الطرق الترابية علشان ما نواجه المستوطنين، ومع هيك مرة اعترضونا على الطريق، واحد منهم نزل وهددنا، وكان ماسك حجر كبير، ولولا أنه في سيارة ثانية طلعت من خلفنا، كان ممكن يصير شي خطير.”
نهى ما عادت تترك أطفالها يروحوا المدرسة وحدهم. “كل يوم أوصلهم وأرجعهم، أخاف يهاجمهم مستوطن أو يعتقلهم جندي بحجة إنهم بيلعبوا بحجارة أو حاملين علم.”
تجريف الأراضي
في بلدة سلفيت، يروي الحاج توفيق رزق، مزارع في السبعين من عمره، عن أرضه التي صارت ذكرى. “عندي أرض صغيرة زرعتها زيتون من أيام أبوي، قبل كم شهر، جوا مستوطنين ومعاهم جرافة وبدون أي تحذير، جرفوا الأرض واقتلعوا 30 شجرة زيتون.. هدول أولادي، مش مجرد شجر.”
لم يسمح له الجنود بالاقتراب أو الاعتراض. “قالوا لي: هاي أرض دولة! وأنا صارلي أزرعها من 40 سنة، والدولة الوحيدة اللي بعرفها هي فلسطين.”
أما في بلدة عوريف قرب نابلس، فتتحدث سندس العسعس، طالبة جامعية، عن صعوبة التنقل. “الطريق للجامعة صارت مغلقة معظم الوقت، لازم نغير طريقنا ونمشي مسافة أطول بثلاث مرات. الحواجز فجأة تظهر، ودائمًا في تفتيش مذل، يوقفونا بالساعات، وكأننا مجرمين.”
سندس تؤكد أن التأثير النفسي أشد من الجسدي. “صرت أخاف أدرس، أخاف أتخيل مستقبلي، لأنه كل شي ممكن ينهدم بيوم وليلة.”
حصار وعنف ممنهج
هذه القصص، وغيرها كثير، ترسم صورة لحياة يومية تحت الحصار والعنف المنهجي، حيث لا أمن في البيوت، ولا حرية في الطرقات، ولا مستقبل واضح في الأفق. في الضفة الغربية، لا يحتاج الفلسطينيون إلى خيال لكتابة المأساة، فهم يعيشونها بكل تفاصيلها، بصمتٍ كثير، ووجعٍ لا يُحكى بسهولة.