في خطوة غير مسبوقة منذ بدء التوترات الإقليمية الأخيرة، شنّ الجيش الإسرائيلي صباح اليوم الثلاثاء سلسلة من الغارات الجوية على مواقع استراتيجية داخل العاصمة اليمنية صنعاء، من أبرزها مطار صنعاء الدولي، ومحطات طاقة مركزية، إضافة إلى مصنع الإسمنت في عمران. هذه الهجمات جاءت بعد ساعة من توجيه إنذار لإخلاء المطار، ضمن تصعيد عسكري إسرائيلي يستهدف الحوثيين الذين تتهمهم تل أبيب بإطلاق صواريخ باليستية تجاه الأراضي المحتلة، وتحديدًا نحو مطار بن غوريون.
أضرار بشرية ومادية جسيمة
وزارة الصحة التابعة للحوثيين أكدت أن العدوان الإسرائيلي خلف ثلاثة شهداء و38 جريحًا، فيما أعلنت في وقت سابق عن استشهاد أربعة مدنيين وإصابة 39 في محافظة الحديدة نتيجة هجمات مشابهة شنتها إسرائيل والولايات المتحدة مساء الإثنين. الحديدة المطلة على البحر الأحمر، تشكل موقعًا استراتيجيًا هامًا، وتعرضت لقصف عنيف استهدف ميناءها الحيوي. مصنع إسمنت باجل، الذي أصيب بشكل مباشر، تسبب بانفجارات ضخمة وأضرار كبيرة، حيث يُعد من المنشآت الاقتصادية الأساسية التي يعتمد عليها الحوثيون في تمويل قدراتهم الدفاعية، بحسب المزاعم الإسرائيلية.
إسرائيل تُحمّل إيران المسؤولية المباشرة
الرد الإسرائيلي لم يقتصر على العمليات الميدانية، بل امتد إلى التهديدات السياسية، حيث توعد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بمواصلة “الضربات المتتالية”، محملًا إيران المسؤولية المباشرة عن دعم الحوثيين وتزويدهم بالسلاح والتكنولوجيا. ووصف نتنياهو مطار صنعاء بأنه “بوابة الجيش الإرهابي” واعتبر قصفه ردًا مشروعًا على محاولة استهداف مطار بن غوريون، مؤكدًا أن إيران ستُحاسب على كل هجوم يطال إسرائيل.
أما وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فاعتبر الضربات بمثابة رسالة مزدوجة: تحذير مباشر للحوثيين، وإنذار شديد اللهجة إلى “رأس الأخطبوط الإيراني”، في إشارة إلى طهران، مؤكدًا أن إسرائيل تردّ “بسبعة أضعاف” على كل محاولة استهداف، وأن الثمن سيكون باهظًا لأي طرف يهاجمها.
الحوثيون يربطون الغارات بالحرب الإقليمية
من جانبهم، اعتبر الحوثيون أن استهداف المنشآت المدنية كالمطارات والمصانع ومحطات الطاقة، يكشف عن “عجز إسرائيل عن مواجهة المقاومة الفلسطينية بشكل مباشر”، ويلجأ إلى توسيع رقعة الحرب الإقليمية لخلق معادلات جديدة، خاصة بعد أن وجهوا ضربة صاروخية تجاه مطار بن غوريون، أدت إلى تعليق عدد من الرحلات الجوية الدولية، في ضربة رمزية أربكت المجال الجوي الإسرائيلي.
الانعكاسات الإقليمية وتدويل المواجهة
الغارات الإسرائيلية على اليمن ليست مجرد رد تكتيكي، بل تمثل تحولًا نوعيًا في طبيعة المواجهة، إذ تشير إلى توجه إسرائيلي نحو توسيع جغرافية الردع، وخلق خطوط تماس مباشرة مع الأطراف الحليفة لإيران خارج الساحة الفلسطينية واللبنانية. كما تمثل محاولة لإشغال الحوثيين داخليًا، ومنعهم من تحويل العمق الإسرائيلي إلى هدف مفتوح للصواريخ.
لكن الأخطر من ذلك، هو ما تشير إليه بعض التحليلات من سعي إسرائيلي – أميركي لتدويل المواجهة مع محور المقاومة، وفرض واقع إقليمي جديد يبرر التدخل العسكري تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، تمامًا كما حدث في الهجمات المشتركة على العراق وسوريا في السنوات السابقة.
صمت دولي وتخوف من اتساع رقعة الحرب
رغم خطورة التصعيد، فإن الموقف الدولي لا يزال باهتًا، ويغلب عليه الصمت، خصوصًا من جانب الدول الكبرى. وحدها بعض الهيئات الإنسانية أعربت عن قلقها من استهداف البنية التحتية المدنية، محذرة من أزمة إنسانية متفاقمة في اليمن، البلد الذي يعاني أصلًا من الحصار والحرب منذ سنوات.
وفي ظل غياب أي تحرك دولي حقيقي للجم التصعيد، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، خصوصًا مع ازدياد الترابط بين ساحات المواجهة المختلفة في الإقليم، سواء في غزة أو جنوب لبنان أو اليمن، وسط حالة من الترقب في العواصم الإقليمية.
موقف سعودي متحفظ وتنسيق أميركي إسرائيلي معلن
على الرغم من استهداف بلد جار مثل اليمن، التزمت السعودية الصمت حيال الغارات الإسرائيلية، في موقف عكس تحفظًا واضحًا ربما نابعًا من حساسية الوضع الإقليمي وتشابك العلاقات مع كل من واشنطن وتل أبيب. ومع أن الرياض لم تُصدر بيانًا رسميًا، فإن بعض المواقف غير المباشرة التي صدرت عن وسائل إعلام سعودية مقربة من دوائر القرار، حاولت التركيز على “الخطر الحوثي” دون التطرق إلى مشروعية الهجمات الإسرائيلية أو تداعياتها الإنسانية. هذا الصمت أثار تساؤلات حول مدى التنسيق غير المعلن بين الرياض وتل أبيب، خاصة في ظل جهود مشتركة خلال الأشهر الأخيرة للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
في المقابل، لم تُخفِ الإدارة الأميركية دعمها للهجوم الإسرائيلي، وإنْ لم تُعلن مشاركتها رسميًا في غارات صنعاء، إلا أن الهجمات الموازية التي نفذتها مقاتلات أميركية ضد مواقع في الحديدة تعزز من فرضية التنسيق العسكري بين الطرفين. واشنطن، التي لطالما اعتبرت الحوثيين أداة بيد إيران، تنظر إلى تصاعد عملياتهم ضد المصالح الغربية والإسرائيلية بوصفها تهديدًا للأمن الإقليمي. وبهذا الشكل، تقدم الغارات الإسرائيلية نفسها كجزء من جبهة موسعة ضد إيران، تتلاقى فيها الحسابات الأمنية الأميركية والإسرائيلية، وربما العربية لاحقًا، تحت عنوان “ردع أذرع طهران”.
هذا التماهي بين الأجندتين الأميركية والإسرائيلية يعكس، بحسب مراقبين، رغبة في اختبار حدود الرد الإيراني ومدى استعداد طهران للتورط في مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، خصوصًا أن إسرائيل ترسل إشارات متكررة بأنها مستعدة لتوسيع رقعة المعركة، حتى لو تطلب ذلك الاشتباك المباشر مع إيران، وليس فقط مع وكلائها في المنطقة.