في قلب المشهد الإسرائيلي المحتقن، برزت تصريحات يائير غولان، رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي، كقنبلة سياسية فجّرت نقاشاً واسعاً داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه. اتهامه الصريح لإسرائيل بأنها “تتخذ قتل الأطفال كهواية” ليس فقط خروجاً عن المألوف في خطاب المعارضة، بل أيضاً انعكاساً لحالة غليان داخلي غير مسبوق، يكشف حجم الانقسام العميق الذي تعيشه إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة.
تحالف التيارات المتطرفة
غولان، وهو جنرال سابق ونائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، لم يكن يوماً شخصية هامشية، بل صاحب ثقل عسكري وسياسي، ما يجعل تصريحاته تحمل وزنًا خاصًا داخل المؤسسة الإسرائيلية. حين يتحدث بهذه الصراحة عن مسار “لا أخلاقي” تقوده حكومة بنيامين نتنياهو، فإنه لا يعبر فقط عن رأي سياسي يساري، بل عن أزمة داخل بنية الدولة العميقة نفسها: الجيش، الأمن، والمجتمع المدني.
المعارضة الإسرائيلية، وعلى رأسها غولان وبعض رموز التيار الوسطي واليساري، لم تعد تكتفي بانتقاد أسلوب إدارة الحرب من منطلق الكفاءة، بل أصبحت تشير إلى خلل أخلاقي بنيوي في قرارات نتنياهو وتحالفه مع التيارات المتطرفة. الاتهام بأن الحرب تُستخدم أداة سياسية لبقاء نتنياهو في الحكم، لم يعد يُطرح همساً بل يُقال علناً، وبتصريحات غير مسبوقة الحدة.
عزل إسرائيل دولياً
ومع تصاعد الكلفة الإنسانية في غزة، وتزايد عزل إسرائيل دولياً، يتعزز موقف المعارضة بأن نتنياهو لا يقود البلاد نحو نصر، بل نحو عزلة وأزمة أخلاقية قد تُطارد إسرائيل لعقود. التصريحات الدولية التي تتحدث عن جرائم حرب، إضافة إلى التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات، لا تُقرأ بمعزل عن المشهد الداخلي؛ فكل فشل على الساحة الدولية يُحوّل إلى نقطة ضعف سياسية داخلية.
مع ذلك، فإن المعارضة الإسرائيلية تُواجه معضلة جوهرية: الشارع الإسرائيلي، الذي لا يزال في معظمه مُستقطباً بين مشاعر الخوف والرغبة في الانتقام، ما يجعل خطاب غولان يبدو لبعض الفئات خيانة، رغم أنه يعكس صوتاً متزايدًا في التيارات المدنية والحقوقية.
تصاعد النقد الداخلي يُضعف نتنياهو من ناحيتين: الأولى، تآكل شرعيته كـ”رجل الأمن القوي”، والثانية، تقويض التحالفات داخل الحكومة نفسها التي تضم أصواتاً يمينية متطرفة باتت تُحرج إسرائيل دولياً. ومع عودة الحديث عن فشل استخباراتي في السابع من أكتوبر، وتدهور صورة الجيش في أعين بعض الإسرائيليين، تتعزز الشكوك بأن نهاية نتنياهو لم تعد فكرة بعيدة، بل سيناريو مطروح على الطاولة، ينتظر فقط لحظة الانفجار السياسي المناسب.
خيارات سقوط نتنياهو
الخيارات أمامه تضيق، وخصومه السياسيون من اليمين واليسار باتوا أكثر جرأة. فإذا استمرت الحرب دون إنجاز سياسي أو عسكري واضح، ومع تزايد الضغط الدولي والداخلي، فإن الأرض ستبدأ بالاهتزاز من تحت أقدامه.
قد لا تُسقطه المعارضة وحدها، بل السخط الشعبي العارم من حرب تُدار تحت شعار “الأمن” بينما تُدخل إسرائيل في نفق أخلاقي وسياسي مظلم.