تخوض الحكومة الفلسطينية معركة إنسانية وسياسية معقدة في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي تمارس سياسة الحصار والتجويع بحق أهالي قطاع غزة، وتفرض واقعًا كارثيًا على الضفة الغربية أيضًا. في ظل هذه الأوضاع المأساوية، تتخذ السلطة الفلسطينية سلسلة من الإجراءات على مسارين متوازيين: المسار السياسي الإقليمي والدولي لفضح الانتهاكات، والمسار الإغاثي والاجتماعي لمواجهة آثار الحرب على المجتمع الفلسطيني.
تحرك الحكومة
في كلمتها خلال الاجتماع العربي التحضيري للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في تونس، قدمت وزيرة التنمية الاجتماعية سماح حمد صورة واضحة عن عمق المأساة، مؤكدة أن ما يجري في غزة لا يمكن فصله عن سياسة إسرائيلية ممنهجة تستخدم الجوع كسلاح لإخضاع السكان، وكسر إرادتهم، ودفعهم نحو الهجرة أو الاستسلام. هذا الاتهام ليس مجرد موقف سياسي، بل يعكس مشاهد مروعة لعشرات الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب المجاعة والبرد، وسط شلل شبه تام في حركة المساعدات.
في المقابل، تحاول الحكومة الفلسطينية أن تقدم نموذجًا مرنًا في التعاطي مع الأزمة، رغم ما تواجهه من قيود مالية وهجمة إسرائيلية متعددة الأوجه، سواء من خلال اقتطاع أموال المقاصة، أو القيود على دخول المواد الإغاثية. أحد المحاور الرئيسية لتحرك الحكومة هو بناء نظام حماية اجتماعية رقمي، يربط بين الإغاثة الفورية، والتعافي المتوسط، والتنمية المستدامة طويلة الأمد، وفق ما يُعرف بنهج “النيكسس”.
الحكومة تدعو لتحرك عربي
تم تسجيل أكثر من 350 ألف أسرة فلسطينية ضمن السجل الوطني الاجتماعي، مع توزيع مساعدات نقدية طارئة عبر المحافظ الرقمية، وهي خطوة تُظهر قدرة نسبية على استخدام أدوات حديثة للوصول إلى المتضررين بشكل مباشر. كما أعادت الحكومة إطلاق برامج حيوية مثل برنامج كفالة الأيتام الذي يغطي أكثر من 46 ألف طفل، وتحويلات نقدية تغطي عشرات آلاف الأسر، من ضمنها ذوي الإعاقة والفئات الأكثر فقرًا.
هذا الحراك الاجتماعي لا يمكن فصله عن المساعي السياسية في المحافل الإقليمية والدولية. فدعوة الحكومة لتحرك عربي عاجل ضد استخدام الجوع كسلاح، تأتي في إطار تصعيد دبلوماسي يسعى لإعادة وضع غزة في قلب الأجندة الإنسانية الدولية، خاصة بعد تراجع الاهتمام العالمي وتآكل الضغوط على الاحتلال. وتكمن أهمية هذا الحراك في إعادة صياغة سردية الصراع، من مجرد مواجهة مسلحة إلى جريمة إبادة جماعية ترتكب بأساليب غير تقليدية مثل التجويع والحصار.
فضح الاحتلال
كما شددت الوزيرة على خطورة الأوضاع في الضفة الغربية، حيث تتعمد إسرائيل خلق أزمة إنسانية موازية من خلال استهداف الاقتصاد الفلسطيني، وزيادة أعداد النازحين، وتضييق الخناق على مؤسسات الدولة الفلسطينية. هذه المعطيات تؤكد أن المواجهة لا تقتصر على غزة فقط، بل تشمل كل مكونات الكيان الفلسطيني.
باختصار، التحرك الحكومي الفلسطيني يحمل طابعًا استراتيجيًا، يحاول أن يُبقي على الحد الأدنى من تماسك النسيج الاجتماعي في وجه انهيار متعدد الأبعاد. ورغم التحديات الهائلة، فإن هذه السياسات تمثل محاولة لحماية المدنيين من السقوط في هاوية الجوع، والعزلة، والانهيار التام، مع السعي في الوقت ذاته لفضح الاحتلال ومواجهته في ساحات القانون والسياسة والمجتمع الدولي.