أعلنت أوكرانيا يوم الاثنين 16 يونيو استلامها 1245 جثة من روسيا تعود لضحايا سقطوا في سياق الحرب المستمرة بين البلدين، ما يرفع عدد الجثث المُستلمة خلال الأسبوع الماضي إلى أكثر من ستة آلاف. وتأتي هذه الخطوة في إطار اتفاق ميداني نادر، تم التوصل إليه بين الجانبين خلال محادثات غير مباشرة جرت في إسطنبول مطلع هذا الشهر، في مسعى لتخفيف الأعباء الإنسانية المترتبة على الصراع.
جثث “مشوهة للغاية”: المأساة تتجاوز حدود الموت
وزير الداخلية الأوكراني، إيغور كليمنكو، وصف حالة الجثث التي تسلمتها بلاده بأنها “مشوهة للغاية”، في إشارة توحي ليس فقط ببشاعة ظروف القتال، وإنما أيضًا بالتحديات الإنسانية المرتبطة بالتعرف على هوية الضحايا ودفنهم بكرامة. ووفق تصريحاته، فإن الجثث الواردة إلى كييف تضم أيضًا رفات جنود روس، مما يعكس فوضى المعارك وتداخل خطوط الاشتباك في أكثر من محور.
هذه التفاصيل، على قسوتها، تكشف حجم المأساة التي يعيشها الجنود وعائلاتهم على الجانبين، وتحمل في طياتها رسائل غير مباشرة حول عنف المعارك وعدم احترام قواعد الحرب في بعض الأحيان، ما يفتح الباب أمام انتقادات متجددة من منظمات حقوق الإنسان.
روسيا تعلن تبادلًا مماثلًا… ومزيدًا من الجثث جاهزة للتسليم
من جهتها، أكدت روسيا أنها تسلمت 78 جثة لجنودها من الجانب الأوكراني، مشيرة إلى استمرار عمليات التبادل بين الطرفين. وأفاد كبير المفاوضين الروس أن وزارة الدفاع الروسية أبدت استعدادها لتسليم 2239 جثة إضافية لعسكريين روس قُتلوا خلال المعارك، في خطوة يُفترض أن تتم بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو عبر وساطة طرف ثالث.
ورغم ندرة هذه التفاهمات، فإنها تؤشر إلى قنوات تواصل محدودة لكنها فعالة في إدارة بعض جوانب الحرب، لا سيما الجوانب الإنسانية التي لا يمكن تأجيلها مهما طال أمد النزاع.
تبادل الأسرى أم المساومة على المدنيين؟
على نحو مغاير، فجّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جدلًا جديدًا حين اتهم روسيا بمحاولة عقد صفقة لتبادل أسرى الحرب الروس بأطفال أوكرانيين، في خطوة اعتبرها “غير أخلاقية”، بل و”تمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط القواعد الإنسانية”. ولم يصدر عن الجانب الروسي تعليق رسمي مباشر على هذا الاتهام حتى الآن.
إذا صحّ هذا الاتهام، فهو لا يعكس فقط هشاشة الإطار الأخلاقي الذي تُدار به الحرب، بل يُحيل إلى قضايا شائكة تتعلق بنقل الأطفال قسرًا من مناطق النزاع، وهي مسألة كانت محل انتقادات دولية حادة منذ بداية الغزو الروسي.
حدود التفاهم في حرب بلا خطوط حمراء
رغم ضراوة المعارك وتباين الأهداف السياسية، فإن التوصل إلى اتفاق جزئي بشأن تسليم الجثث يبرز كأحد المظاهر النادرة للتنسيق غير المباشر بين موسكو وكييف. ومع ذلك، فإن محدودية هذا النوع من التفاهمات تجعل من الصعب البناء عليها كقاعدة لتسوية أوسع أو حتى لوقف مؤقت لإطلاق النار.
ما يجري من تبادل جثث وأسرى، رغم رمزيته، لا يُخفي حقيقة أن الحرب ما تزال تتفاقم، وأن الأطراف المتصارعة تستعد لجولات جديدة من التصعيد الميداني والسياسي، وسط غياب أي أفق واضح للتفاوض الشامل.
ففي حربٍ تُقاس فيها المكاسب بعدد الجثث والخراب، تبدو المبادرات الإنسانية قاصرة عن وقف نزيف الدم، لكنها تظل ضرورة إنسانية لتقليل المعاناة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إنسانية في واقع لم يعد يعرف سوى العنف كوسيلة لحسم الصراع.