تعكس تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تصعيدًا واضحًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، ليس فقط تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، بل أيضًا في طبيعة التعامل مع مفاهيم القانون، السيادة، والمؤسسات. بن غفير، الذي طالما عُرف بمواقفه اليمينية المتطرفة، يعيد اليوم التأكيد على رؤية فكرية تُؤمن بأن النصر لا يتحقق إلا عبر سياسة الحصار والتجويع، وأن سحق الخصم لا يمر من خلال معارك عسكرية فقط، بل عبر تحطيم المجتمع المدني ومقومات الحياة فيه.
استخدام الجوع كسلاح حرب
تصريحه بأن “وقف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة سيقرب إسرائيل سريعًا من تحقيق النصر” لا يمكن قراءته إلا كتحريض مباشر على استخدام الجوع كسلاح حرب. فهذا الموقف لا يكتفي بتبرير حصار غزة، بل يطالب بتشديده، مع إدراك تام للنتائج الكارثية التي قد تترتب عليه. فالمساعدات الإنسانية لا تُقدم لحماس – كما يدّعي – بل تُوجه لمئات الآلاف من العائلات التي دُمّرت منازلها وفقدت مصدر عيشها، والربط بين بقاء هؤلاء أحياءً وبين “صمود حماس” ليس سوى تلاعب فجّ بالحقائق، لتبرير العقاب الجماعي على سكان القطاع.
كما أن محاولة بن غفير إعادة ملف المساعدات إلى طاولة التصويت في “الكابينيت”، تعكس إصرارًا أيديولوجيًا على عرقلة أي مظهر من مظاهر الإنسانية أو الرعاية التي ما تزال تتسرب بصعوبة إلى القطاع. إنها ليست مجرد رغبة في مراجعة سياسية، بل تعبير عن منهج يرى في كل طفل فلسطيني خطرًا، وفي كل رغيف خبز دعمًا للإرهاب.
تقويض النظام القضائي
وتتسق هذه النزعة مع ما يظهر من تصريحاته في الشق الداخلي، حيث هاجم المؤسسات القانونية في بلاده، مبدياً دعمه الضمني لتصريحات دونالد ترامب حول “الدولة العميقة”. ففي الوقت الذي يفترض أن بن غفير مسؤول عن حفظ الأمن والنظام العام، نجده يهاجم سلطة القانون، ويُلمّح إلى رغبة في تقويض النظام القضائي، عبر التشكيك في شرعيته والحديث عن مؤامرات داخلية. هذا الموقف ينسجم مع توجهات متنامية في اليمين الإسرائيلي تسعى إلى تقويض استقلال القضاء، وتحويله إلى أداة تخدم السلطة التنفيذية وتمنع محاسبة السياسيين.
تفكيك الضوابط الدستورية
إن دلالات هذه التصريحات مزدوجة: خارجيًا، هي دعوة صريحة لاستخدام الأدوات اللاإنسانية – كالتجويع والحصار – لتحقيق أهداف عسكرية؛ وداخليًا، تعكس رغبة في تفكيك الضوابط الدستورية داخل إسرائيل نفسها، وتحويلها إلى دولة تسير في اتجاه شعبوي سلطوي، لا يُخضع قادتها للمساءلة ولا يحترم قواعد القانون الدولي أو الداخلي.
تصريحات بن غفير ليست مجرد مواقف شخصية أو شطحات فردية، بل هي مؤشرات على المنزلق الخطير الذي تتجه إليه الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة اليمين المتطرف، حيث يصبح القانون مجرد أداة في خدمة المشروع السياسي، والعدالة سلعة قابلة للإلغاء إذا ما تعارضت مع أجندات السلطة.