في تطور جديد يعكس تعقيدات الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، أفادت مصادر سياسية إسرائيلية بأن تل أبيب قررت عدم المشاركة في الجولة المقبلة من مفاوضات الدوحة، احتجاجًا على ما وصفته بـ”مطالب جديدة وغير مقبولة” من جانب حركة حماس. يأتي هذا القرار في وقت تواصل فيه واشنطن والدوحة والقاهرة جهود الوساطة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وسط تمسك حماس بوقف شامل لإطلاق النار وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة.
ورغم إعلان إسرائيل تعليق مشاركتها المباشرة، أكدت مصادر إعلامية عبر “هيئة البث الإسرائيلية – كان 11” أن المفاوضات “لم تنهَر بعد”، بل لا تزال مستمرة بشكل غير مباشر على قاعدة المقترح الأميركي المعروف بـ”مقترح ويتكوف”.
“نعم… ولكن”: مقاربة حماس ومفهوم التسوية
وفقًا لمصادر مطلعة على سير المفاوضات، فإن حركة حماس لم ترفض المقترح الأميركي من حيث المبدأ، لكنها تطالب بتعديلات جوهرية، من بينها ضمانات مكتوبة بوقف دائم لإطلاق النار، وجدول زمني لانسحاب الاحتلال من القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، بالإضافة إلى مشاورات حول إدارة ما بعد الحرب في غزة.
هذه الشروط، بحسب المراقبين، تمثل محاولة من الحركة لترجمة مكاسب ميدانية إلى مكاسب سياسية، لكن إسرائيل تراها مناورة تكتيكية هدفها تحسين صورة الحركة على الساحة الإقليمية والدولية، ونفي تهمة التعنت عنها، دون إظهار تنازلات حقيقية.
إسرائيل: لا تطورات جوهرية… والفجوات “أكبر من اللازم”
في المقابل، عبّرت مصادر رسمية إسرائيلية عن تشكيكها في نوايا حماس. ونقل موقع “واينت” عن مسؤولين في طواقم التفاوض قولهم إن الفجوات “لا تزال كبيرة جدًا وربما أكبر من أن تُجسر في هذه المرحلة”. وأكدت تلك الجهات أن “موقف حماس لم يتغير فعليًا، رغم كل البيانات الإعلامية”، في حين تعتبر إسرائيل نفسها قد وافقت على المقترح الأميركي كما طُرح، دون الحاجة إلى تعديلات.
وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن رفض حماس الاستجابة حرفيًا لبنود المقترح، وتقديمها مطالب جديدة، من شأنه أن يعقّد العملية التفاوضية، ويمنح الحكومة الإسرائيلية مبررًا للاستمرار في العمليات العسكرية، رغم تصاعد الضغوط الدولية.
جهود الوساطة: بين التفاؤل الحذر والواقع المتشدد
ورغم المواقف المتباعدة، لا تزال القاهرة والدوحة وواشنطن تُراهن على إمكانية تحقيق اختراق، ولو محدود، في المسار السياسي. فقد أبدت حركة حماس مساء الأحد ترحيبها بمواصلة الوساطة، وأكدت استعدادها لـ”الدخول الفوري في جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة”، شريطة أن تكون من أجل الوصول إلى “اتفاق يضمن وقف العدوان ورفع المعاناة عن سكان القطاع”.
غير أن غياب التزام واضح من الجانب الأميركي بشأن نهاية الحرب، إلى جانب إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة الحملة العسكرية، يجعل من مهمة الوسطاء أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل التوتر داخل الإدارة الأميركية نفسها بشأن إدارة الملف.
توسع العمليات العسكرية: تصعيد ميداني أم ضغط تفاوضي؟
بالتزامن مع الجمود السياسي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن توسيع العملية البرية في شمال وجنوب قطاع غزة، في ما اعتُبر إشارة إلى أن تل أبيب تعتمد على الضغط العسكري لتحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات. وقال رئيس الأركان إيال زامير إن القوات الإسرائيلية بدأت في تنفيذ عمليات أوسع ضد ما وصفها بـ”البنى التحتية التابعة لحماس”، مع إقامة مراكز لتوزيع مساعدات في محاولة لتخفيف الانتقادات الدولية.
كما أشار الناطق باسم الجيش إلى أن القوات تمكنت من قتل عناصر مسلحة وتدمير مواقع تخزين أسلحة وشبكات أنفاق، ضمن عمليات أُطلق عليها اسم “عربات جدعون”، في إشارة إلى اتساع رقعة العمليات ومحاولة فرض واقع ميداني يسبق أي تسوية.
إلى أين تتجه الأمور؟
الواضح حتى الآن أن المفاوضات تراوح مكانها، وسط تمسك كل طرف بشروطه الأساسية. إسرائيل ترفض إدخال ملف وقف إطلاق النار ضمن الصفقة، بينما تعتبر حماس أن إنهاء الحرب هو شرط أساسي لأي تفاهم حول الرهائن أو الإغاثة. وبين هذا وذاك، يقف الوسطاء أمام معادلة معقدة، حيث لا تكفي النوايا الحسنة وحدها لإحداث اختراق حقيقي، في ظل معطيات ميدانية وسياسية متشابكة.
يبقى السؤال: هل ستنجح الضغوط الإقليمية والدولية في تليين مواقف الطرفين؟ أم أن الميدان سيبقى الفيصل حتى إشعار آخر؟