تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من الاضطراب العميق والانقسام الحاد، تجلّت في قضية إقالة ثم التراجع عن إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، رونين بار. هذه الواقعة لم تكن مجرد قرار إداري أو تغيّر روتيني في قيادة مؤسسة أمنية، بل تحوّلت إلى نقطة اشتباك مركزية داخل أروقة الحكم، كاشفةً عن أزمة أعمق تتعلق بتوازن السلطات، وشرعية القرارات الحكومية، وتداعيات الحرب المستمرة في غزة على النظام السياسي الإسرائيلي.
احتجاجات قوية من الشارع
في 20 مارس 2025، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً مفاجئاً بإقالة رونين بار، وسط احتجاجات قوية من الشارع والمعارضة، وسجال قضائي سرعان ما تدخلت فيه المحكمة العليا، التي علّقت القرار بانتظار البت في التماسات تتهم نتنياهو باتخاذ القرار بدوافع سياسية وشخصية، خاصة في ظل تحقيق يُعرف إعلامياً بـ«قطر غيت». هذا التحقيق المرتبط بشبهات فساد وتأثيرات خارجية، زاد من تعقيد المشهد وأشعل الشكوك حول نزاهة دوافع الإقالة.
قرار الحكومة بالتراجع عن إقالة بار لم يكن نتيجة اقتناع بسلامة موقفه المهني، بل جاء وفق الوثائق الرسمية المقدمة إلى المحكمة، بسبب الأزمة المتصاعدة بين مكونات السلطة، خاصة في ظل الحرب المستمرة ضد غزة. ففي لحظة حساسة كهذه، بدا أن الانقسام داخل الحكومة بشأن بار قد يهدد تماسك المؤسسة الأمنية نفسها، ويؤدي إلى فراغ خطير في القيادة الأمنية.
انقسام داخل الحكومة الإسرائيلية
إلا أن هذا التراجع لم يطفئ نيران الأزمة. الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل، وهي من أبرز المنظمات الحقوقية، اعتبرت أن مجرد التراجع لا يُعفي الحكومة من المساءلة، وطالبت المحكمة العليا بإصدار حكم مبدئي بشأن قانونية الإقالة، مشيرة إلى وجود “عيوب إجرائية” ودوافع غير مشروعة خلف القرار الأصلي. كما عبّرت عن خشيتها من أن تتحول هذه القضية إلى سابقة خطيرة تسمح للحكومة باستخدام المناورات السياسية للتهرب من الرقابة القضائية.
الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية حول هذا الملف كان واضحاً، خاصة مع امتناع عدد من وزراء أحزاب اليمين المتطرف، مثل حزب “عوتسما يهوديت” والحزب الصهيوني الديني، عن التصويت على القرار، ما يعكس هشاشة التوافق داخل الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو. هذا التصدع يعكس تآكلاً في الثقة بين مكونات الحكومة من جهة، وبين الحكومة والجهاز القضائي من جهة أخرى، ويشير إلى أزمة دستورية كامنة قد تتفجر في أي لحظة.
فوضى داخلية
كما أن ما زاد من التوتر هو تهديد بعض وزراء الحكومة بالعصيان أو تجاوز أي قرار قضائي محتمل بإبطال الإقالة، وهو أمر غير مسبوق في السياق السياسي الإسرائيلي ويشكل تحدياً مباشراً لسلطة القضاء، ويزيد من احتمالية حدوث أزمة دستورية شاملة تعيد فتح النقاش حول حدود صلاحيات المحكمة العليا وتوازن السلطات داخل النظام الديمقراطي الإسرائيلي.
بالتالي، فإن قضية إقالة رونين بار ليست مجرد خلاف شخصي أو قرار أمني، بل مرآة تعكس أزمة أعمق في الحكم الإسرائيلي في زمن الحرب. إنها تكشف عن فوضى داخلية وتصدعات في السلطة، وتضع علامات استفهام حقيقية حول قدرة القيادة الحالية على الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة وسط تحديات داخلية وخارجية متفاقمة.