أعلنت وزارة الداخلية السورية، الثلاثاء، عن إلقاء القبض على اللواء موفق حيدر، القائد السابق للفرقة الثالثة دبابات في جيش النظام المخلوع، وذلك في إطار عملية أمنية وصفتها الوزارة بـ”محكمة التنفيذ ومرتكزة على رصد دقيق”.
اللواء حيدر يُعد من أبرز القادة العسكريين في النظام السابق، وسبق أن شغل مسؤولية حاجز القطيفة بريف دمشق، المعروف شعبيًا بـ”حاجز الموت”، والذي ارتبط اسمه بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين أثناء سنوات النزاع، بحسب بيان الداخلية.
سجل حافل بالانتهاكات و”الاقتحامات السوداء”
الفرقة الثالثة التي كان يقودها حيدر سُميت في تقارير حقوقية بـ”رأس الحربة” في اقتحامات النظام السابقة، لا سيما في الغوطة الشرقية والزبداني ومناطق أخرى شهدت مواجهات عنيفة. وتتهم جهات حقوقية اللواء حيدر بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين، تشمل الاعتقالات التعسفية، والإعدامات الميدانية، والقصف العشوائي.
وزارة الداخلية أكدت تحويل حيدر إلى إدارة مكافحة الإرهاب للتحقيق، تمهيدًا لإحالته إلى القضاء المختص، في إشارة إلى أن المرحلة الحالية تتجه نحو فتح ملفات المساءلة الجنائية ضد رموز النظام المخلوع.
سلسلة اعتقالات تطال كبار المسؤولين
توقيف حيدر يأتي ضمن سلسلة عمليات أمنية تنفذها السلطات الجديدة في دمشق منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر الماضي. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الداخلية ألقت القبض على عدد كبير من قيادات جيش النظام السابق والميليشيات المتحالفة معه.
وكان من أبرز هؤلاء وسيم الأسد، أحد الوجوه البارزة للنظام السابق، والذي اعتُقل في 21 يونيو بعد عملية أمنية معقّدة استغرقت نحو ستة أشهر، بحسب ما أفادت به الوزارة.
العدالة الانتقالية تدخل حيّز التنفيذ؟
هذه التطورات تمثل تحولًا نوعيًا في المشهد السوري، إذ تتزامن مع مطالب داخلية ودولية بضرورة إطلاق مسار عدالة انتقالية، يضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين، ويؤسس لحكم القانون بعد عقود من الإفلات من العقاب.
ويرى مراقبون أن توقيف شخصيات رفيعة مثل حيدر ووسيم الأسد قد يكون خطوة رمزية لكنها حاسمة في استعادة ثقة الشارع السوري، شرط أن تُستكمل بإجراءات قضائية شفافة، وبضمانات تتيح للضحايا وأهاليهم الوصول إلى العدالة.
تحديات المساءلة: ما بين الرغبة والقدرة
رغم أهمية هذه الخطوات، تبقى هناك تحديات حقيقية تواجه مسار العدالة، من بينها:
-
هشاشة المنظومة القضائية بعد عقود من التسييس.
-
تداخل المصالح السياسية والأمنية في الملفات الكبرى.
-
احتمال وجود “خطوط حمراء” تحول دون محاسبة أسماء بعينها.
ومع ذلك، فإن مواصلة الداخلية السورية هذه الاعتقالات بوتيرة متصاعدة يعكس – على الأقل من الناحية الرسمية – نية لقطع العلاقة مع ممارسات النظام السابق، وتوجيه رسائل إلى الداخل والخارج بأن صفحة الماضي قد بدأت تطوى.
مفترق طرق بين الإنصاف والمصالحة
توقيف اللواء موفق حيدر يُعد محطة مفصلية في مسار سوريا الجديدة، لكنه لا يكفي وحده لضمان العدالة. فالمحاسبة لا تكتمل إلا بكشف الحقيقة كاملة، وإتاحة الفرصة للضحايا للمشاركة في تحديد مصير من أجرم بحقهم.
يبقى السؤال: هل هذه بداية مسار قضائي حقيقي، أم مجرّد محاولة لإعادة هندسة المشهد تحت شعارات العدالة؟
الإجابة ستحدد طبيعة المرحلة القادمة، بين تحقيق الإنصاف أو إعادة إنتاج الماضي بوجوه جديدة.