سادت حالة من الحزن العميق أوساط اليمنيين، عقب إعلان تدمير الطائرة المدنية الوحيدة المخصصة لنقل الحجاج والمرضى والطلبة والمسافرين من مطار صنعاء، بفعل غارات إسرائيلية جاءت ضمن تصعيد جديد في سياق الحرب الإقليمية.
الطائرة، التي كانت تمثل شريان أمل لعشرات الآلاف ممن تقطعت بهم السبل، سقطت تحت نيران لا ترحم، لتغلق معها نافذة السفر الوحيدة أمام سكان العاصمة والمناطق المجاورة.
اتهامات حوثية تحت المجهر
لم تمر هذه الحادثة دون اتهامات مباشرة وواسعة من المواطنين لجماعة الحوثي، إذ يرون أنها استدرجت هذا القصف عبر مواقفها الاستفزازية.
أحد الحجاج اليمنيين من محافظة إب، والذي كان يستعد للسفر، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة مهدت للغارات بحملة إعلامية تدعو اليمنيين إلى عدم أداء فريضة الحج هذا العام، وتوجيه الأموال نحو دعم ما تسميه “القوة الصاروخية والطيران المسير”.
وبحسب الحاج، فإن الجماعة كانت قد منعت وكالات الحج من أداء دورها في العام الماضي، وابتزت الحجاج وحالت دون تسديد ثمن تذاكر السفر، في محاولة للسطو على الأموال المخصصة لذلك.
فريضة معلقة وقلوب مكسورة
في مشهد يختزل المأساة، يروي سليمان، نجل حاج يمني من صنعاء، كيف أصيب والده، البالغ من العمر 75 عاماً، بحالة من الذعر الشديد أثناء الغارات التي استهدفت مطار صنعاء، بينما كان في طريقه للمطار بغرض السفر إلى الأراضي المقدسة.
سليمان أكد أن والده باع قطعة أرض في ضواحي صنعاء، كان يحتفظ بها منذ سنوات، كي يحقق حلمه بتأدية فريضة الحج. لكن كل ذلك تبخر في لحظة، مع تصاعد الدخان من المدرج الذي كانت تقف عليه الطائرة الأخيرة.
بيانات رسمية وتحذيرات متصاعدة
وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، لم تتأخر في تحميل جماعة الحوثيين المسؤولية عن ما حدث، مؤكدة في بيان رسمي أن الحوثيين عرقلوا ترتيبات السفر، ورفضوا نقل الطائرات إلى مطارات آمنة، رغم التنسيق الحكومي والدعم الإقليمي المتواصل.
وأشارت الوزارة إلى أن الجهود الآن تتركز على نقل الحجاج المتبقين من مناطق سيطرة الحوثيين عبر منفذ الوديعة، إلا أن كثيراً من الأسر اليمنية ترفض هذا الخيار، نظرًا لمشقة الطريق وازدحامه.
مطار بلا حياة ومرضى بلا أمل
ليست فئة الحجاج وحدها المتضررة من إغلاق مطار صنعاء وتدمير الطائرة الوحيدة، بل تتسع الدائرة لتشمل آلاف المرضى اليمنيين الذين كانوا ينتظرون رحلات إنقاذ إلى الخارج.
عبد الله، أحد سكان ضواحي العاصمة، وهو والد شاب مصاب بالسرطان، أكد أن ابنه (19 عاماً) كان من المفترض أن يسافر إلى الأردن ثم إلى مصر لتلقي العلاج، لكن توقف الرحلات بسبب القصف حال دون ذلك، وتركه يصارع المرض بلا أمل قريب.
بديل مرهق ومنافذ مزدحمة
رغم فتح منفذ الوديعة كخيار بديل، إلا أن هذا الحل لا يناسب كبار السن والمرضى، كما هو الحال مع والد سليمان، الذي قرر العودة إلى منزله وترك حلم الحج خلفه.
تشير شهادات الحجاج إلى أن الطريق عبر المنفذ طويل ومرهق، ويشهد ازدحامًا خانقًا، ولا يتوفر فيه الحد الأدنى من الراحة أو الخدمات.
حصار إسرائيلي معلن.. واستمرار التصعيد
وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أعلن بشكل رسمي فرض حصار جوي وبحري على جماعة الحوثي، متوعدًا باستمرار استهداف الموانئ والمطارات الخاضعة لسيطرتهم.
وأكد كاتس أن مطار صنعاء “سيتم تدميره مرارًا وتكرارًا”، وهو ما يشير إلى أن المشهد الحالي قد لا يكون إلا بداية لأزمة أعمق، يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء.
رحلة إلى المجهول
هكذا، يتحول السفر من مطار صنعاء إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، وفريضة الحج إلى أمنية مؤجلة، والعلاج إلى حلم مستحيل. وبينما تُحرق الطائرات ويُقصف المطار، يقف آلاف اليمنيين حائرين: إلى أين يذهبون، وكيف ينقذون ما تبقى من أحلامهم المعلقة؟.