تعكس تصريحات المتحدث باسم حركة فتح، ماهر النمورة، تحليلاً شديد اللهجة لأهداف الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، معتبرًا أن ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية ليس مجرد حملة عسكرية، بل جزء من مشروع متكامل يستهدف الإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، خدمةً لطموحات سياسية وشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة على خلفية ملفات فساد وقضايا سوء استخدام السلطة.
تدمير البنية التحتية
في المشهد العام، يظهر أن النمورة لا يتحدث فقط عن العنف العسكري المستمر، بل عن بنية متكاملة من السياسات التي تُمارس ضد الفلسطينيين، تبدأ من القصف والتجويع في قطاع غزة، ولا تنتهي بالاجتياحات وتدمير البنية التحتية في مدن الضفة الغربية. الإشارة إلى ما يحدث في الضفة كمكوّن موازٍ للحرب على غزة تخرج الخطاب من ثنائية “حرب غزة” إلى توصيف أكثر شمولية لـ”حرب شاملة على الوجود الفلسطيني” في كامل الأراضي المحتلة.
من هذا المنطلق، تتقاطع تصريحات النمورة مع الاتهامات المتزايدة الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، خاصةً في ظل تراكم المعطيات الميدانية حول الاستهداف العشوائي للمدنيين، وحرمان السكان من الاحتياجات الأساسية، وإغلاق الطرق والمنافذ، وتحويل البيئة المعيشية إلى بيئة طاردة لا يمكن البقاء فيها. ويتهم النمورة نتنياهو بتوظيف هذا المسار الدموي من أجل التغطية على أزماته الداخلية، خصوصًا ما يتعلق بمحاكمته في قضايا فساد وسوء إدارة، معتبرًا أن الحرب باتت بالنسبة له أداة بقاء سياسي، لا أداة أمن أو حماية.
كسر النسيج الاجتماعي الفلسطيني
واحدة من النقاط المحورية في هذه التصريحات تتعلق بالازدواجية بين ما يُعلَن من استعدادات سياسية أو قبول بمسارات الوساطة، وبين ما يُنفَّذ فعليًا على الأرض. ففي الوقت الذي تتحدث فيه أطراف إسرائيلية عن انخراط في مفاوضات غير مباشرة، يستمر القصف وتُقصف الأحياء وتُنسف المباني وتُغلق المعابر، وهو ما وصفه النمورة بأنه “غياب تام لأي ضوابط حقيقية توقف الجرائم” أو توفّر بيئة نزيهة لإنجاح المساعي الدبلوماسية. وهذا يُلقي بظلال من الشك على صدقية إسرائيل في أي مسار تفاوضي، ويرسّخ قناعة فلسطينية بأن التهدئة ليست ضمن حسابات نتنياهو في هذه المرحلة.
التصريحات لم تقتصر على غزة، بل وسّعت دائرة التحليل لتشمل الضفة الغربية، وخصوصًا المحافظات الشمالية مثل جنين وطولكرم، التي تتعرض لاجتياحات يومية، تهدف ـ بحسب النمورة ـ إلى كسر النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتحويل المدن إلى مناطق منكوبة أمنيًا وعمرانيًا. الإشارة إلى تهجير أكثر من 60 ألف فلسطيني من مناطقهم في الضفة يضيف بعدًا خطيرًا آخر، حيث يتحدث الفلسطينيون اليوم عن موجة تهجير داخلي صامتة، تمضي تحت ستار “عمليات أمنية”، ولكنها في جوهرها تفريغ تدريجي للمكان من سكانه.
وتكتمل الصورة، بحسب النمورة، بانتشار الحواجز والبوابات الحديدية داخل الضفة، التي وصل عددها لأكثر من 920 نقطة، وهو رقم يعكس نية واضحة بفرض نظام فصل عنصري لا يسمح بحرية الحركة أو الحياة الطبيعية، ويترافق مع إطلاق أيدي المستوطنين لارتكاب انتهاكات ضد السكان الفلسطينيين، في ظل صمت دولي وتراخٍ أوروبي تجاه ما يجري.
أرض بلا شعب
الرسالة التي يريد النمورة إيصالها واضحة: ما يجري على الأرض الفلسطينية ليس حربًا تقليدية، بل محاولة ممنهجة لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وخلق وقائع سياسية وديمغرافية تتيح لاحقًا فرض حل إسرائيلي أحادي، عنوانه “أرض بلا شعب”. وهو بذلك يدعو العالم، خصوصًا الجهات الراعية للسلام، إلى عدم الاكتفاء بالتعبير عن القلق أو دعم الوساطات، بل إلى التحرك الفعلي لوقف المجازر الجارية، ومحاسبة من يقف وراءها، سواء على الأرض أو في دوائر القرار السياسي في تل أبيب.
وفي جوهر هذه التصريحات، تكمن دعوة غير مباشرة لإعادة تعريف الصراع، ليس فقط بوصفه نزاعًا سياسيًا على الأرض، بل بوصفه معركة وجود في مواجهة مشروع استئصال، يتقاطع فيه الطموح الشخصي لقائد متهم بالفساد، مع أجندة أيديولوجية لتيارات متطرفة تحكم إسرائيل اليوم وتدفع بها نحو منحدر الحرب الدائمة، والعنف المفتوح.