تعكس محاولة اغتيال القيادي في حركة حماس محمد السنوار، إلى جانب الضربات التي طالت ما تزعم إسرائيل أنه مركز قيادة للحركة تحت المستشفى الأوروبي في خان يونس، استمرار استراتيجية الاستهداف المركز التي تتبعها إسرائيل منذ سنوات في تعاملها مع فصائل المقاومة في غزة، خاصة حماس. تقوم هذه الاستراتيجية على مبدأ أن ضرب قادة الصف الأول من شأنه أن يضعف البنية التنظيمية، ويُحدث خلخلة داخلية تؤدي إلى تفكك الحركة أو على الأقل إلى شلل مؤقت في أدائها العسكري والسياسي.
معركة طويلة الأمد
على المستوى السياسي، حماس – رغم الكلفة العالية التي يدفعها المدنيون من حياتهم وبنيتهم التحتية – ما زالت تصر على الاستمرار في المواجهة المسلحة، مدفوعة بجملة من العوامل؛ أبرزها رغبتها في ترسيخ موقعها كقوة المقاومة الأولى، وتكريس نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية للقطاع أو القضية الفلسطينية ككل.
هذا الإصرار، من وجهة نظرها، يُترجم إلى “ثبات وصمود”، لكنه من منظور كثيرين، وخصوصاً من خارج قواعدها الشعبية، يبدو وكأنه إصرار على خوض معركة طويلة الأمد تُستنزف فيها غزة بالكامل، من أجل الحفاظ على شرعية سياسية تواجه تحديات داخلية وخارجية متزايدة.
غزة تدفع الثمن
مع تواصل التدمير الممنهج للبنية التحتية في القطاع، وتفاقم الكارثة الإنسانية، تبدو حماس في معادلة معقدة: لا تستطيع التراجع دون أن تفقد شرعيتها كحركة مقاومة، ولا تستطيع الاستمرار دون أن تدفع غزة ثمناً باهظاً. في هذا السياق، يُطرح تساؤل أخلاقي وسياسي كبير حول دور القيادة في حماس، وقدرتها على موازنة الخطابين السياسي والعسكري بما يضمن الحفاظ على الكرامة الوطنية دون التضحية الكاملة بالمجتمع الذي تقول إنها تمثله.
بقاء حماس في سدة الحكم في غزة، وسط هذا الكم من الدمار والدماء، لم يعد مجرد مسألة صراع مع الاحتلال، بل أصبح مرتبطاً أيضاً بصراع على الهوية السياسية للقطاع، وموقع الحركة في الخارطة الإقليمية. ومع كل ضربة إسرائيلية لقادتها، تسعى حماس إلى تثبيت سردية “المؤامرة الكبرى” و”صمود المقاومة”، بينما يتزايد الشرخ بينها وبين شريحة من المجتمع المدني الذي أنهكه الحصار والحرب والانقسام.
حصار سياسي واقتصادي
الواقع أن الاغتيالات لا تُنهي الحركات، لكن استمرار الحركات دون مراجعة لخياراتها ووسائلها قد يؤدي إلى تآكلها من الداخل، لا بفعل إسرائيل فقط، بل بفعل استنزاف الحاضنة الشعبية، وتراجع الثقة في قدرتها على تحقيق أهدافها دون تدمير ذاتها ومحيطها. ومع كل جولة تصعيد، يُعاد فتح الأسئلة ذاتها: هل يمكن لحركة أن تنتصر وهي محاصرة سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً؟ وهل المقاومة هدف، أم وسيلة؟ وهل بقاء حركة في الحكم، أهم من بقاء حياة لشعب؟
وفي قلب هذه الأسئلة، تبقى غزة – بأطفالها ونسائها وشيوخها – هي التي تدفع الثمن الحقيقي، في معركة لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل تُخاض بالمعاني التي باتت تنهار تحت ركام البيوت.