في قلب المشهد الفلسطيني، الذي لا يفتأ أن يُقدم فصولاً جديدة من التعقيد والتحدي، تبدو حركة حماس، القوة المهيمنة على قطاع غزة، وكأنها تواجه عاصفة داخلية تُنذر بتحولات عميقة. فمع استمرار الحرب وتداعياتها الكارثية، تتصاعد وتيرة الانتقادات، وتُلقي الخلافات حول الانتخابات الداخلية بظلالها على وحدة القيادة، في وقت حساس للغاية. هذا ليس مجرد خلاف روتيني، بل هو مؤشر على أن التوترات قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وتهدد بتآكل نسيج الحركة من الداخل.
خليل الحية، الذي يُعد من أبرز وجوه الحركة وأكثرها تأثيرًا، بات في الأسابيع الأخيرة هدفًا لانتقادات متزايدة. هذا الانتقاد، سواء كان يتعلق بقراراته أو توجهاته، لا يمكن فصله عن حالة الضغط الهائلة التي تتعرض لها قيادة حماس بأكملها. إن أي خلاف داخل هرم السلطة في هذه الظروف، يشكل عامل ضعف يمكن أن يُستغل من قبل الخصوم، ويُقلل من قدرة الحركة على إدارة الأزمة والتعامل مع تحدياتها المتراكمة. فالوحدة الداخلية، لطالما كانت سر قوة حماس، وأي شرخ فيها يعتبر ضربة موجعة.
إن الحديث عن خلافات حادة حول الانتخابات الداخلية يُشير إلى أزمة ثقة وتنافس على السلطة، وهي أمور طبيعية في أي تنظيم، ولكنها تصبح خطيرة عندما تكون الحياة أو الموت على المحك. فالضغوط الميدانية في غزة، من قصف ودمار ونزوح، تتطلب قيادة موحدة ورؤية واضحة، لا قيادة منقسمة تبحث عن التوازنات الداخلية. هذا الانقسام العميق في صفوف القيادة قد يُعيق اتخاذ القرارات الحاسمة، ويُؤثر على فعالية الحركة في مواجهة التحديات الهائلة التي تواجهها.
وما يزيد الطين بلة، هي التقارير الواردة عن إجراءات يُزعم اتخاذها ضد حماس في قطر، بعد أن كانت الدوحة ملاذًا آمنًا لعدد من قادة الحركة، ومركزًا لعملياتها السياسية والمالية. فإن كانت هذه التقارير دقيقة، فإن تقييد حرية عمل الحركة في قطر يُمثل ضربة إضافية لها، ويُضيّق الخناق على قيادتها في الخارج. هذا الضغط الخارجي، إن أُضيف إلى التوترات الداخلية، يُشكل معضلة حقيقية لحماس، ويُمكن أن يُجبرها على إعادة تقييم شاملة لاستراتيجياتها وتحالفاتها. فهل ستجد الحركة نفسها معزولة أكثر من أي وقت مضى؟ وهل ستُصبح مضطرة للبحث عن ملاذات جديدة، أو حتى تغيير نمط عملها؟
إن تضافر هذه العوامل، من انتقادات داخلية متزايدة، وخلافات على السلطة، وضغوط خارجية متصاعدة، يُشكل تحديًا وجوديًا لحركة حماس. فالوقت الراهن يتطلب أقصى درجات التماسك والوحدة لمواجهة التحديات الهائلة في غزة، بدلاً من الانشغال بالصراعات الداخلية، وأي انقسام في هذه المرحلة، قد يؤدي إلى تبعات خطيرة، ليس فقط على الحركة نفسها، بل على مستقبل القطاع بأكمله.
إن مشهد حماس اليوم هو مرآة تعكس تعقيدات القضية الفلسطينية برمتها، إن لم يكن العالم العربي بأسره. فبين مطرقة الاحتلال وسندان الضغوط الإقليمية المتزايدة، التي تتهاوى فيها الوعود وتتبخر التحالفات، وضغوط الانقسامات الداخلية التي تنهش في جسد الحركة، تظل حماس أمام اختبار وجودي حقيقي. إن قدرتها على تجاوز هذه العقبات الجسام، وإعادة ترتيب بيتها الداخلي، وتكييف استراتيجياتها مع المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي لا ترحم، هو ما سيحدد ليس فقط مصيرها، بل ربما مصير القضية الفلسطينية برمتها في هذه المرحلة المصيرية الحاسمة. والسؤال الذي يبقى معلقًا في فضاء الأحداث كصيحة ألم: هل ستنجح حماس في اجتياز هذه العاصفة الداخلية والخارجية، لتخرج منها أقوى وأكثر تماسكًا، أم أن هذه التحديات الجارفة ستُلقي بظلالها القاتمة على مستقبلها ودورها المحوري في المشهد الفلسطيني، لتكون بذلك قد أدت دورها الأخير في مسرح الأحداث؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف المستور وإماطة اللثام عن هذه التساؤلات المصيرية.