تعود قضية إنهاء الحرب في قطاع غزة إلى الواجهة كعقبة مركزية تعرقل التوصل إلى أي اتفاق هدنة فعّال بين إسرائيل وحركة حماس، رغم الجهود الإقليمية والدولية المكثفة التي تبذل في هذا الإطار. تصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال لقائه بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، تكشف بوضوح عن تعقيدات المشهد، إذ أشار إلى إحراز بعض التقدم، لكنه أكد أن الاتفاق لا يزال صعب المنال بسبب غياب رؤية مشتركة لإنهاء الحرب بشكل كامل.
مواقف تفاوضية متشددة
المعضلة الحقيقية تكمن في أن السؤال الجوهري “كيف ننهي الحرب؟” لا يجد إجابة حقيقية من الأطراف المتفاوضة. فبينما تبدي بعض الأطراف انفتاحًا حذرًا نحو حلول أكثر شمولية، كحل الدولتين الذي أشار إليه الوزير التركي هاكان فيدان بعد محادثاته مع حماس، فإن السلوك الفعلي على الأرض يعكس غياب إرادة حقيقية لدى الحركة لتقديم تنازلات جادة.
تاريخيًا، دأبت حركة حماس على اعتماد مواقف تفاوضية متشددة، ترفض خلالها تقديم تنازلات كانت كفيلة، في كثير من الأحيان، بتخفيف معاناة المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والحصار. هذه النزعة إلى التصلب السياسي حتى في أقسى الظروف الإنسانية تثير الكثير من التساؤلات حول أولويات الحركة، ومدى التزامها الفعلي بحماية المدنيين الذين تقول إنها تمثلهم.
إعادة ترتيب مشهد الحكم في غزة
في المراحل السابقة للصراعات مع إسرائيل، كانت هناك فرص متعددة لوقف إطلاق النار بوساطات إقليمية أو أممية، لكنها انهارت أمام إصرار حماس على شروط قصوى تتعلق برفع الحصار بالكامل، أو إعادة ترتيب مشهد الحكم في غزة بطريقة لا تقبل التفاوض. ومع أن المطالب بحد ذاتها مشروعة من زاوية الحقوق الوطنية، إلا أن الإصرار على تحقيقها دفعة واحدة وفي ظل واقع ميداني معقد، جاء على حساب المدنيين الذين عانوا من الحصار، وانقطاع الخدمات، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
اليوم، وبينما تشير بعض المؤشرات إلى رغبة حماس الظاهرة في مناقشة حلول دائمة، إلا أن التجارب السابقة تفرض الحذر في قراءة هذا الانفتاح. الحركة، رغم كل الكوارث الإنسانية التي ألمت بغزة، لا تزال تتعامل مع التفاوض كأداة لإعادة التموضع وليس للوصول إلى تسوية فعلية تضمن إنهاء معاناة المدنيين. ولعل ذلك يفسر استمرار صعوبة التوصل إلى اتفاق حقيقي رغم الضغوط الإقليمية والدولية.
في المقابل، لا يمكن إغفال أن إسرائيل تستغل هذا التصلب لإطالة أمد الحرب وتنفيذ سياسات أمر واقع على الأرض، مثل تدمير البنية التحتية وفرض وقائع ديموغرافية جديدة. ومع ذلك، فإن المسؤولية الأخلاقية والسياسية كانت تحتم على حماس إبداء مرونة أكبر تجاه الحلول المرحلية التي قد تفتح لاحقًا أبوابًا لحل أكثر شمولية.
شعارات المقاومة
إن أولوية إنقاذ المدنيين، في أي صراع، يجب أن تتقدم على الحسابات السياسية الضيقة. واستمرار حماس في المزايدة على شعارات المقاومة دون رؤية واقعية للتخفيف من كوارث الحرب، يضعف من شرعيتها الأخلاقية والسياسية، ويعمق مأساة غزة التي طال أمدها.
في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن التوصل إلى اتفاق هدنة لن يكون بالأمر السهل طالما بقيت الأطراف، وخصوصًا حماس، أسيرة حسابات سياسية ضيقة، وعاجزة عن اتخاذ خطوات شجاعة تقدم مصلحة الناس على مصلحة الشعارات.