أثارت الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط موجة من الجدل، ليس فقط بسبب الصفقات الاستثمارية التي أعلن عنها، ولكن بشكل خاص بسبب قراره المثير للجدل برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى السلطة.
الشرع، المعروف سابقًا بلقبه الجهادي “أبو محمد الجولاني”، والذي صنفته واشنطن في 2013 كـ”إرهابي عالمي”، التقى ترمب في الرياض خلال زيارة وُصفت بالتاريخية، رغم أنها لم تتعدَّ لقاءً قصيرًا. وفي حين بدا الشرع بمظهر مختلف – حليق اللحية، مرتديًا بزة رسمية وربطة عنق – فإن خلف هذا التغيير السطحي، تظل الأسئلة الكبرى قائمة حول جوهر السلطة الجديدة في دمشق وما إذا كانت بالفعل تخلت عن جذورها المتطرفة.
جون بولتون: لا شرعية بلا شروط واضحة
جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، عبّر في تقرير تحليلي عن مخاوفه العميقة من أن رفع العقوبات جاء في غياب أي التزامات ملموسة من القيادة السورية الجديدة. ويرى بولتون أن القرار يعكس “سذاجة سياسية” ويشكل “تنازلًا مجانيًا”، خصوصًا أن واشنطن لم تحصل على ضمانات مكتوبة بشأن تخلي الشرع عن الإرهاب أو عن علاقاته السابقة مع تنظيم القاعدة.
ويؤكد بولتون أن لقاء ترمب مع الشرع لا يرقى إلى مستوى صفقة مدروسة، بل يفتقر إلى البنية السياسية والاستراتيجية التي تضمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
هل تخلّى الشرع فعلاً عن الماضي الجهادي؟
بالرغم من إشارات الشرع إلى رغبته في الاندماج الإقليمي والانفتاح على العالم، لا توجد مؤشرات قوية تؤكد أن “هيئة تحرير الشام” – التي ما تزال مصنفة كتنظيم إرهابي – قد أعادت تشكيل بنيتها الفكرية والأمنية. ويعتقد بولتون أن مجرد تغيير الأسماء والرموز لا يُعد إصلاحًا كافيًا، ما لم يصاحبه تفكيك حقيقي للبنية الإرهابية السابقة.
وبالنسبة لبولتون، فإن هذا “التحول” لا يمكن الوثوق به إلا إذا التزمت السلطة الجديدة في سوريا بما يلي:
-
فتح أرشيف النظام السابق بالكامل، لا سيما فيما يتعلق بملفات الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، إضافة إلى التعاون مع المفتشين الدوليين للكشف عن كل المواقع المرتبطة ببرامج التسلح غير التقليدية.
-
الكشف عن ملفات الرهائن الأجانب الذين اختفوا في سوريا، وبيان الجهات المتورطة محليًا ودوليًا في احتجازهم.
-
إنهاء كامل للعلاقات مع إيران وحزب الله، باعتبار أن استمرار هذا التحالف يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.
-
إتاحة سجلات تفصيلية عن عمليات تمويل “جبهة النصرة” سابقًا، ومحاسبة المتورطين في دعم الإرهاب.
-
الالتزام بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لضمان عدم عودة مقاتلي تنظيم داعش إلى المشهد من جديد.
-
سجن المقاتلين المتطرفين داخل سوريا وعدم تصديرهم إلى دول أخرى، وهو ما اعتبره بولتون بندًا بالغ الأهمية لحماية الأمن الدولي.
موقف واشنطن لا يزال غير محسوم
على الرغم من التصريحات العاطفية التي رافقت الإعلان عن رفع العقوبات، لا تزال التصنيفات القانونية الأميركية كما هي: أحمد الشرع لا يزال مدرجًا ضمن لائحة الإرهابيين، و”هيئة تحرير الشام” ما تزال منظمة إرهابية، وسوريا ما تزال مصنفة دولة راعية للإرهاب. ويرى بولتون أن هذه التصنيفات لا يجب أن تُلغى إلا بموجب سلوك جديد واضح، ومراقب دوليًا.
ويضيف أن الولايات المتحدة لا يجب أن تغامر بتطبيع سريع مع سلطة لم تثبت بعد أنها خرجت فعلاً من العباءة الجهادية، داعيًا إلى إعادة فرض العقوبات فورًا إذا فشل النظام الجديد في تحقيق المطالب الأميركية خلال فترة زمنية قصيرة.
ملف روسيا لا يمكن تجاهله
كما دعا بولتون إلى طرد روسيا من قاعدتيها العسكريتين في طرطوس وحميميم، مشيرًا إلى أن وجود موسكو في سوريا لم يكن فقط داعمًا للأسد، بل يمثل تهديدًا جيوسياسيًا مستمرًا، خصوصًا بعد غزو أوكرانيا في 2022.
الافعال قبل الأقوال
يرى جون بولتون أن ما حصل في الرياض لا يمثل بداية صفحة جديدة، بل محاولة تجميل مشهد سياسي غير محسوم. فشرعية النظام الجديد في دمشق يجب أن تُبنى على أفعال، لا على تصريحات، ولا على صور مصافحة عابرة. وما لم يُقدّم الشرع تنازلات واضحة وشفافة، فإن رفع العقوبات الأميركية سيكون خطأً استراتيجيًا لن يتأخر أثره السلبي في الظهور.