في ظل التصعيد العسكري المتسارع بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، تجد حركة “حماس” نفسها في موقع بالغ الحساسية، لا سيما بعد تراجع كبير في قدراتها العسكرية وتدمير شبه شامل للبنية التحتية في قطاع غزة. ورغم هذا التراجع، لا تزال الحركة تعتمد خطابًا سياسيًا وإعلاميًا يوحي بالثبات والانتصار، ما يدفع للتساؤل حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التناقض الظاهري.
تقلص قدرات حماس
التقديرات الإسرائيلية والغربية الأخيرة تشير إلى أن قدرات “حماس” قد تقلصت إلى مستوى العمليات المحدودة والكمائن الصغيرة داخل المناطق المدمرة من غزة، دون أي قدرة على فتح جبهة إقليمية فاعلة أو تقديم دعم عسكري ملموس لإيران في صراعها المباشر. هذا التراجع جاء نتيجة الضربات الإسرائيلية الكثيفة والممنهجة التي استهدفت مخازن الأسلحة والأنفاق وشبكات الاتصالات التابعة للحركة، ما أفقدها عنصر المفاجأة والتخطيط المنظم الذي ميّز بعض جولات القتال السابقة.
ومع ذلك، تواصل “حماس” إطلاق رشقات رمزية من الصواريخ والطائرات المسيرة، وتضفي عليها بعدًا سياسيًا أكبر من حجمها العسكري. وفي خطاباتها الرسمية، تؤكد الحركة أنها في موقع المبادرة، وأنها مستمرة في “المقاومة”، رغم الدمار الواسع في غزة، وغياب الدعم الإيراني المباشر نتيجة انشغال طهران في صراعها مع واشنطن وتل أبيب.
حماس تستغل الحرب على إيران
الخطاب المنتصر الذي تتبناه “حماس” رغم الواقع الصعب يمكن تفسيره بعدة عوامل:
الاعتبار الرمزي للمواجهة: “حماس” ترى في استمرارها بإطلاق الصواريخ، مهما كانت محدودة، تحديًا للآلة العسكرية الإسرائيلية، وتعتبر أن بقاءها في الميدان هو بحد ذاته “انتصار للثبات والصمود”، لا للنتائج العسكرية المباشرة.
البعد الإعلامي والجماهيري: تستفيد الحركة من المشهد الإقليمي والدولي، حيث تنجح أحيانًا في تصوير نفسها كضحية للعدوان وكطرف صامد، ما يعزز من حضورها الشعبي، خصوصًا في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي.
الفراغ السياسي في غزة: في ظل غياب أي بديل سياسي أو إداري واضح في قطاع غزة، تحرص “حماس” على الحفاظ على هيبتها ومكانتها أمام جمهورها الداخلي، ولا يمكنها الاعتراف بالتراجع الكامل خشية الانهيار المعنوي والتنظيمي.
ارتباطها بإيران: رغم الضربات على طهران، تدرك “حماس” أن بقاءها كطرف فاعل ضمن محور “الممانعة” يعطيها وزنًا إقليميًا لا توفره أي دولة عربية حاليًا، ولهذا تسعى للحفاظ على دورها كـ”الذراع الفلسطينية للمحور” حتى وإن كان الدور رمزيًا أو إعلاميًا أكثر منه عسكريًا.
تحويل الانكسار إلى ورقة تفاوضية: عبر تقديم نفسها كمن صمد أمام الهجوم الإسرائيلي، تسعى “حماس” لاستعادة المبادرة سياسيًا، سواء في أي مفاوضات مقبلة أو في مساعي إعادة الإعمار والتهدئة، وتطرح نفسها كـ”الممثل الوحيد للمقاومة” لا كطرف مهزوم.
مصير حماس مرهون بالملف الإيراني
ومع استمرار الحرب الإقليمية واتساع دوائر الصراع، تبدو “حماس” في موقف صعب: قدراتها العسكرية تتآكل، ودعمها الإقليمي من إيران يتعرض لهزة كبيرة، وغزة ترزح تحت وطأة كارثة إنسانية. ومع ذلك، تعتمد الحركة على رواية رمزية تقوم على الصمود لا الانتصار العسكري، وعلى المعنويات لا التوازنات الواقعية.
في ظل هذه المعادلة، يمكن القول إن مصير “حماس” بات مرهونًا بتطورات الملف الإيراني. فإذا ما تراجعت طهران أو خضعت لضغوط تفاوضية كبرى، فقد تجد الحركة نفسها معزولة أكثر من أي وقت مضى، وفي موقع دفاعي صعب يتطلب منها مراجعة استراتيجية جذرية للبقاء السياسي والوجود العسكري في غزة.