يتسع الصراع الاستخباراتي بين جهاز الموساد الإسرائيلي وميليشيا حزب الله اللبنانية ليأخذ بعدًا جغرافيًا جديدًا في غرب القارة الإفريقية، حيث تتقاطع التحركات الأمنية مع شبكات التهريب والمال والنفوذ. وفي هذا المسرح البعيد عن الأضواء، تشتبك المصالح والمواجهات بعيدًا عن ساحات القتال التقليدية، في سباق خفي على النفوذ والتمويل.
القارة الإفريقية، وخاصة في غربها، تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة نشاط حساسة، تستخدمها ميليشيا حزب الله كمركز حيوي لتمويل عملياتها من خلال الشتات اللبناني، وتجارة الألماس والمخدرات، بالإضافة إلى عمليات غسيل الأموال التي تمر عبر قنوات غير رسمية بعيدًا عن أعين الرقابة البنكية.
لكن ما كان يتم في الخفاء بات اليوم عرضة للكشف والانكشاف، مع تصاعد الضغوط والعقوبات الدولية. ففي حادثة لافتة قبل أيام، تم ضبط نحو سبعة ملايين دولار نقدًا كانت مخبأة في حقائب سفر قادمة من الكونغو عبر مطار بيروت الدولي، ما أعاد تسليط الضوء على هشاشة القنوات المالية التي يعتمد عليها حزب الله، وعمق الاختراقات المحتملة في بنيته الاقتصادية غير النظامية.
هذه الأموال – وفق ما تشير إليه مصادر أمنية وتحقيقات إعلامية – لم تمر عبر النظام المصرفي اللبناني، بل وصلت نقدًا، في عملية تكررت أكثر من مرة، في مشهد يعكس تعقيد الشبكات المالية التي يديرها الحزب عبر إفريقيا، من الكاميرون وساحل العاج، وصولًا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى والغابون.
الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي جيل ميهايلي، مدير مجلة “صراعات”، يرى في لجوء حزب الله إلى النقد الصِرف مؤشرًا واضحًا على أزمة داخلية متصاعدة، قائلاً إن “الاعتماد على التمويل غير الرسمي لم يعد فقط وسيلة للتهرب من الرقابة، بل دليل على ضعف داخلي يتفاقم مع ازدياد العقوبات والاستهدافات الغربية”.
ويضيف ميهايلي أن “استخدام النقد يعكس أيضًا تحولات في سلوك الدولة اللبنانية نفسها، التي بدأت – ولو جزئيًا – تستعيد جزءًا من سلطتها المهملة في مواجهة شبكات التمويل غير المشروع التي لطالما عُدّت من المحرمات الأمنية”.
ويُعتقد أن الموساد كثّف من أنشطته الاستخباراتية في إفريقيا لتعقب تحركات الحزب وموارده، ضمن خطة أوسع لقطع شرايين الدعم اللوجستي والمالي، وهو ما يؤكد أن الحرب الصامتة لا تقتصر على السلاح أو العمليات في الميدان، بل تمتد إلى الحقيبة والعملة والعابرين في المطارات.
وبينما تنشغل العواصم الكبرى بأزمات سياسية متتالية، تبقى إفريقيا – بما تحمله من ثروات هائلة وحدود رخوة – واحدة من أهم جبهات الصراع العالمي غير المعلن. وفي هذا السياق، لم تعد المعركة بين إسرائيل وحزب الله تدور فقط على الحدود أو في الجنوب اللبناني، بل أخذت شكلاً أكثر تعقيدًا: صراعًا بين شبكات استخباراتية، تتقاطع فيه الدوافع الأمنية بالاقتصادية، وسط أموال متنقلة، وجاليات ممزقة بين الولاء والانتماء.