في تصعيد جديد ينذر بتوسّع رقعة الحرب في السودان، شهدت مدينة بورتسودان – التي تحولت إلى مقر مؤقت للحكومة ومركز حيوي للنازحين والمساعدات – تحليق طائرات مسيّرة وهجمات بصواريخ مضادة للطائرات، السبت الماضي، في مؤشر واضح على أن الحرب لم تعد مقتصرة على العاصمة الخرطوم أو مناطق دارفور.
الهجوم الجوي الذي استهدف البنى التحتية في المدينة الساحلية يمثل مرحلة جديدة في الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما يطرح تساؤلات خطيرة: هل بورتسودان ما زالت ملاذًا آمنًا؟ وهل نحن على أعتاب توسيع جبهة القتال لتشمل شرق البلاد؟
السماء تحت القصف: الطائرات المسيّرة تصل إلى بورتسودان
أكد شهود عيان سماع دوي صواريخ مضادة للطائرات شمال وغرب بورتسودان، بعدما حلّقت طائرات مسيّرة فوق المدينة، في أول هجوم من نوعه منذ بدء الحرب. وقد استهدفت الغارات المطار المدني الوحيد المتبقي في البلاد، بالإضافة إلى محطات الطاقة ومستودعات الوقود، ما أثار الذعر بين المدنيين وأحدث شللاً جزئيًا في بعض الخدمات الحيوية.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن قوات الدعم السريع مسؤولة عن هذه الهجمات، في إطار استراتيجية عسكرية جديدة تقوم على ضرب العمق اللوجستي للجيش في المناطق الآمنة.
بورتسودان: من عاصمة الظل إلى ساحة المعركة
منذ انسحاب الجيش من الخرطوم وتحوّل العاصمة إلى ساحة قتال، استضافت بورتسودان الوزارات والمؤسسات الحكومية، كما أصبحت البوابة الوحيدة المتبقية لدخول المساعدات الإنسانية إلى السودان، حيث يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
لكن هذه المكانة الحساسة حولت المدينة الساحلية إلى هدف عسكري محتمل. وقد وصف أحد المسؤولين الأمميين الوضع بقوله: “إذا فقدنا بورتسودان، نخسر آخر خيط يربطنا بالمدنيين المحتاجين في البلاد.”
آخر مستجدات الحرب: لا غالب ولا مغلوب.. والدمار مستمر
الجيش السوداني يسيطر على الوسط والشمال والشرق، كما أن قوات الدعم السريع تسيطر على معظم إقليم دارفور وأجزاء من الجنوب.
وبالنسبة للخرطوم فهي خارجة عن سيطرة الطرفين، وتحوّلت إلى مدينة أشباح بعد الدمار الكبير، وانقطعت الكهرباء في مناطق واسعة أدى إلى تفشي الكوليرا ووفاة نحو 300 شخص خلال الشهر الأخير فقط، لذلك تتحرك قوات الدعم السريع وفق استراتيجية من شقين، هما هجمات بطائرات مسيرة تستهدف المدن الخاضعة للجيش، وتنفيذ برية لاستعادة الأراضي جنوب البلاد.
أما الجيش، فيبدو أكثر تحفظًا ميدانيًا، مركزًا على الدفاع في الشرق والشمال مع محاولات احتواء الهجمات الجوية.
وصرح الخبير العسكري السوداني اللواء عثمان الفاضل، قائلاً: “الطرفان في حالة إنهاك لكن لا أحد على استعداد لتقديم تنازلات حقيقية. هناك دعم خارجي متضارب، ومصالح إقليمية معقدة، تجعل من التسوية السلمية أمرًا مؤجلاً.”
فيما أشار المحلل السياسي د. سليم عبد الحفيظ إلى أن “الهجوم على بورتسودان ينقل الحرب إلى مرحلة جديدة”، محذرًا من “احتمال امتداد النزاع إلى البحر الأحمر، ما يهدد الأمن الإقليمي ويستدعي ردود فعل دولية أكثر حسمًا”.
متى تنتهي الحرب؟
لا توجد مؤشرات حقيقية على قرب انتهاء الحرب، بل يبدو أن النزاع دخل مرحلة “التآكل البطيء” على حساب المدنيين. فكل طرف ينتظر إرهاق الآخر، دون امتلاك قدرة حاسمة على تحقيق نصر عسكري كامل.
وفشلت مبادرات السلام حتى الآن في جمع الطرفين على طاولة مفاوضات جادة، في ظل انعدام الثقة، وتداخل مصالح قوى إقليمية ودولية في الصراع.
من الخرطوم إلى بورتسودان.. النار تبتلع المدن تباعًا
تحوّلت الحرب في السودان من صراع عسكري إلى أزمة إنسانية شاملة، ومع دخولها العام الثالث، بدأت تطال المناطق التي كانت تُعتبر في السابق ملاذًا آمنًا.
الهجوم على بورتسودان ليس مجرد تطور ميداني، بل جرس إنذار للعالم بأن الصراع يخرج عن السيطرة، وقد يتمدد إلى أبعد مما يتصوره الجميع.. فهل يتحرّك المجتمع الدولي قبل أن تحترق آخر أوراق الاستقرار في السودان؟