شكل استهداف معهد وايزمان للأبحاث في تل أبيب من قبل إيران نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك بين الطرفين، إذ طال القصف هذه المرة منشأة تعتبر من الأعمدة الأساسية للبنية التحتية العلمية والتكنولوجية في إسرائيل، وليس مجرد موقع عسكري تقليدي. وبينما التزمت سلطات الاحتلال الرقابة العسكرية المشددة على الحادث، وامتنعت الصحافة العبرية عن كشف تفاصيل الضربة، انفردت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتأكيد وقوع أضرار مادية كبيرة داخل المعهد، مع نشر صور تظهر اندلاع حريق ضخم في أحد مبانيه.
رسائل استراتيجية مزدوجة
هذا الاستهداف لم يكن عشوائيًا بأي حال، بل جاء دقيقًا من حيث التوقيت والمكان، إذ اختارت إيران الرد على التصعيد الإسرائيلي الأخير، وعلى سلسلة اغتيالات طالت علماءها وخبراءها النوويين، بضربة توجه رسائل استراتيجية مزدوجة: الأولى موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، والثانية إلى المجتمع الدولي. فمن حيث التأثير المحلي، فإن قصف منشأة مثل وايزمان يحمل رمزية عالية لدى الإسرائيليين؛ فهي ليست فقط مركزًا علميًا، بل رمزًا للحداثة والتفوق التكنولوجي الذي تتفاخر به إسرائيل على الدوام.
الدمار الذي لحق بأجزاء من المعهد، بحسب التسريبات الأولية، لا يُقاس فقط بالخسائر المادية، بل ينعكس أيضًا على صورة “الحصانة الأمنية” التي كانت تتفاخر بها تل أبيب، خاصة في ظل امتلاك المعهد برامج متقدمة في الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الرصد والمراقبة، وتطوير الأسلحة الدقيقة، وكلها أدوات استخدمت فعليًا في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. كذلك فإن المعهد يمثل حلقة وصل مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، سواء من خلال تطوير أنظمة تسليح أو إعداد كوادر عسكرية علمية متقدمة، أو حتى من خلال تقديم دعم طبي وتقني للجنود المشاركين في العمليات العسكرية.
هشاشة الداخل الإسرائيلي
ومن ناحية نفسية، فإن استهداف أحد أهم رموز البنية العلمية للدولة العبرية شكّل صدمة معنوية لسكان تل أبيب الذين يعيشون في جو من التوتر والخوف منذ اشتعال جبهة المواجهة مع إيران. فالمعهد يقع في حي رحوفوت، وهو من الأحياء الراقية في تل أبيب، وكان يُعتقد أنه بعيد عن مرمى النيران. الضربة كسرت هذا التصور، وجعلت “المركز” الإسرائيلي مكشوفًا، بل وغير محصّن أمام قدرات طهران الصاروخية.
في السياق الأوسع، فإن هذه الضربة تسلط الضوء على هشاشة الداخل الإسرائيلي، وإمكانية الوصول إلى مفاصل حساسة في الدولة، حتى لو بدت غير عسكرية. وهي تضع الحكومة الإسرائيلية في مأزق استراتيجي: فهل تواصل التصعيد وتخاطر بجعل المزيد من المنشآت المدنية والأكاديمية تحت مرمى الصواريخ، أم تعيد النظر في أولويات المواجهة؟
ضرب ثقة الإسرائيليين
أما دوليًا، فإن الصمت الإسرائيلي يعكس قلقًا من أن يؤدي الاعتراف بتضرر مؤسسة بحجم وايزمان إلى فتح نقاشات حول طبيعة التعاون المدني والعسكري داخل إسرائيل، ومشروعية استهداف منشآت “علمية” تلعب دورًا مباشرًا في إنتاج أدوات الحرب والإبادة، خاصة في ظل ما يجري في غزة من جرائم حرب موثقة.
من الواضح أن قصف معهد وايزمان يتجاوز كونه مجرد رد عسكري من إيران، ليكون ضربة على الصعيد المعنوي والسياسي والرمزي، تهزّ ثقة الإسرائيليين بقدرة مؤسساتهم الحيوية على الصمود أمام التهديدات، وتؤكد أن الحرب باتت شاملة، وأن ساحة المعركة لم تعد محصورة في الجنوب أو الشمال، بل وصلت إلى قلب الدولة بكل ما تمثله من رموز تكنولوجية وعلمية واقتصادية.