شهد قطاع غزة نهاية الأسبوع الماضي مشهدًا لافتًا للانتباه، تمثل في تصعيد لم يكن متوقع للكثيرين، فلم تكن هذه المرة مواجهة مع الاحتلال، بل اشتباكات داخلية بين مكونات فلسطينية، وبالتحديد بين حماس والعشائر المحلية، وقد بلغت هذه الاشتباكات حد اقتحام مستشفى ناصر، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول قدسية وحرمة هذه الأماكن في أوقات النزاع. هذا التطور ليس مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر على تحولات محتملة في المشهد الاجتماعي والسياسي لغزة، وربما يعكس بعض التغيرات في توجهات الرأي العام الفلسطيني تجاه القوى المسيطرة على القطاع.
وتُعد الأحداث التي طالت مستشفى ناصر محل قلق بالغ. فالمستشفيات، في كل الأعراف والمواثيق الدولية، هي أماكن محمية يجب أن تكون بمنأى عن أي صراعات، وانتهاك حرمتها يثير القلق بشأن سلامة المرضى والطواقم الطبية، ويرسل رسالة مقلقة إلى المجتمع الفلسطيني والعالم أجمع، وهذه الأحداث قد تُبرز تحديات تتعلق بضمان حماية المدنيين ومؤسساتهم الحيوية في غزة، وتشير إلى أن القطاع قد يشهد صراعات تتجاوز بعض الخطوط المتعارف عليها.
لطالما مثّلت حماس، لسنوات طويلة، القوة المهيمنة في غزة، وقد استندت شرعيتها إلى حد كبير على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتقديم نفسها كممثلة للمشروع الوطني. إلا أن التطورات الأخيرة، وخاصةً بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تبعها من حرب مدمرة، بدأت تكشف عن واقع متزايد التعقيد. فبينما تُركز جهود المقاومة على التحديات الخارجية، تشهد الساحة الداخلية انخراطًا في صراعات مع مكونات مجتمعية. هذا الواقع يثير تساؤلات حول طبيعة إدارة القطاع في ظل هذه الظروف الراهنة، وكيفية التوفيق بين الأولويات المختلفة.
ويُشير الدعم الذي أبدته شريحة من الشعب الفلسطيني لإجراءات العشائر، وفقًا لبعض المصادر، إلى تراكمات من التحديات والإحباطات التي يواجهها سكان غزة. فقد شهد القطاع أزمات إنسانية واقتصادية متتالية، وعانى من غياب شبه كامل لأفق الحلول السياسية المستدامة. ويرى بعض المراقبين أن الأولويات الراهنة لسكان غزة، والتي تتجلى في مواجهة ظروف حياتية صعبة للغاية، قد تتطلب استجابات مختلفة من الأطراف الفاعلة.
وتُمثل العشائر في السياق الفلسطيني، كيانات اجتماعية راسخة، تتمتع بنفوذ تاريخي ومكانة مرموقة داخل المجتمع. وعلى الرغم من تراجع دورها السياسي المباشر في ظل صعود الحركات المنظمة، إلا أنها ظلت تمثل سندًا اجتماعيًا، يلجأ إليه الناس في أوقات الشدة. حين تتولى هذه العشائر، في تقديرها، زمام المبادرة في مواجهة ما تعتبره تحديات تتعلق بالنظام أو الأمن، فهذا قد يعكس إدراكًا منها بأن الوضع قد بلغ حدًا يتطلب تدخلاً على المستوى المجتمعي. وكيفية استجابة الأطراف المسيطرة على القطاع لمثل هذه المبادرات، والتي تهدف إلى استعادة النظام ورعاية رفاهية المدنيين، قد تؤثر على العلاقة بين هذه الأطراف وحاضنتها الشعبية.
إن ما شهدته غزة في نهاية الأسبوع الماضي هو مؤشر ينبه الجميع إلى أن الوضع في القطاع قد وصل إلى نقطة حرجة تتطلب حكمة وعقلانية قصوى من جميع الأطراف. ففي ظل الفراغ السياسي، وغياب أفق واضح للحل، وتزايد الضغوط الإنسانية، يمكن أن تتسع الفجوة بين الفصائل والمجتمع، مما يُهدد بتفكك النسيج الاجتماعي، ويُزيد من تعقيدات المشهد.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل ستكون هذه الأحداث نقطة تحول تدفع باتجاه حوار داخلي فلسطيني جاد، يهدف إلى توحيد الجهود وتنسيق الأدوار لخدمة الشعب في غزة؟ أم أنها ستزيد من الشرذمة وتُعمق الانقسامات، مما يُضعف من قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرهم؟ فرعاية رفاهية المدنيين، واستعادة النظام، والحفاظ على الوحدة الاجتماعية، يجب أن تكون الأولوية القصوى في هذه المرحلة، لضمان صمود غزة وشعبها.