تتجلى في قطاع غزة، يوماً بعد يوم، ملامح مأساة إنسانية مركّبة تعصف بالمدنيين الفلسطينيين الذين تحوّلت حياتهم إلى دائرة مغلقة من القصف والنزوح والجوع، وأحياناً الموت في الطريق إلى لقمة العيش. وفي المشهد المتكرر منذ أشهر، لا يتوقف العدوان الإسرائيلي عند استهداف المقاتلين أو البنى التحتية، بل يمتدّ ليشمل تجمعات المدنيين العزّل، بما في ذلك أولئك الذين ينتظرون المساعدات الغذائية التي باتت شريان حياتهم الوحيد.
استهداف نقاط توزيع المساعدات
فجر اليوم الأربعاء، كان يوماً دامياً آخر في هذه السلسلة المأساوية، إذ أفادت مصادر طبية باستشهاد ثلاثين مواطناً فلسطينياً، من بينهم 11 شخصاً سقطوا قرب نقاط توزيع المساعدات الأميركية على شارع صلاح الدين. هؤلاء لم يكونوا يحملون سلاحاً، ولم يكونوا في مواقع اشتباك، بل كانوا ينتظرون شاحنة طحين، أو وجبة ساخنة لأطفالهم، في طابور الجوع الطويل الذي ترسمه الحرب.
الاستهداف المتكرر لنقاط توزيع المساعدات يضيف بعداً أكثر قسوة لما يجري في القطاع. فالأماكن التي يُفترض أن تكون ملاذاً إنسانياً أصبحت أهدافاً عسكرية. وهو ما يعكس انهيار الحدّ الأدنى من القواعد التي تنظم النزاعات المسلحة، وخصوصاً تلك المتعلقة بحماية المدنيين ومواقع الإغاثة.
تفجير منازل سكنية
وفي التفاصيل التي أوردها المركز الفلسطيني للإعلام، سقط ثمانية مواطنين في قصف استهدف منزلاً بمحيط مسجد علي في حي الزيتون جنوب شرق غزة، كما استشهد ستة آخرون في قصف جوي على مخيم المغازي وسط القطاع. هذه الأحياء المكتظة لم تكن يوماً مواقع عسكرية، لكنها الآن مشمولة في بنك أهداف لا يفرّق بين منزل ومخبز، أو بين خيمة وموقع عمليات.
وفي جباليا، شمال القطاع، سُمعت أصوات انفجارات ضخمة ناتجة عن تفجير منازل سكنية من قبل الجيش الإسرائيلي. هذا النسف المنهجي للبيوت يعمّق من مأساة النزوح، حيث يتحول مَن يفقد منزله إلى طريد في وطنه، بلا مأوى، ولا ضمانات للبقاء، حتى داخل خيمة.
أما في منطقة العطار بمواصي خان يونس، حيث يفترض أن تكون خيام النازحين أكثر مناطق القطاع هدوءاً، فقد استُهدفت بالقصف، ما أدى إلى مقتل خمسة مواطنين وإصابة آخرين. وكأن النازحين لم يعد لديهم حق في الأمان حتى داخل رقعة القماش التي احتموا بها.
عجز المجتمع الدولي
كل هذه الأرقام والمواقع لا تشير فقط إلى حجم الضحايا، بل إلى نمط متكرر من استهداف المدنيين، وإلى سياسة تُغلق أبواب الحياة أمام المحاصَرين في غزة، ليس فقط بالقنابل، بل بتجفيف الموارد وحرمانهم من أبسط مقومات البقاء.
وبينما تواصل المؤسسات الدولية التحذير من المجاعة والأوبئة والانهيار الكامل للبنية التحتية الصحية والإنسانية، يبقى المجتمع الدولي عاجزاً – أو متواطئاً بالصمت – أمام هذا الانزلاق المستمر نحو كارثة مفتوحة، عنوانها: الموت في طابور المساعدات.